يبدو المشهد حول العالم كأنه أحد أفلام الخيال، فيروس كورونا المتناهي الصغر يحكم قبضته على أكثر من نصف الكرة الأرضية، من كان يتوقع أن يجبر هذا الفيروس أكثر من مليار إنسان حول العالم على ألا يخرجوا من منازلهم وتتوقف حياتهم لأسابيع وربما لشهور، العالم يتغير، السلوك البشري يتغير، واقعنا يتغير، حتماً مستقبل الجنس البشري سيتغير، فعالم ما بعد كورونا لن يكون أبداً مثل ما قبله كما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في كلمته التي وجهها مؤخراً للشعب السعودي وللأمتين العربية والإسلامية، بعدما عجزت الدول الصناعية والأكثر تقدماً عن مواجهة كورونا رغم التقدم المذهل لإمكانات وقدرات منظوماتها الصحية ومؤسساتها المدنية، حالة من العجز عبر عنها رئيس وزراء إيطاليا جوسيبي كونتي، بقوله «لقد انتهت جميع الحلول على وجه الأرض.. الحل متروك للسماء»، بعدما شاهد الجثث تتراكم في بلاده، وقوائم انتظار إتمام مراسم الدفن وحرق الجثث تطول.
المملكة واجهت منذ البداية احتمالات تفشي فيروس كورونا المستجد بإجراءات احترازية صارمة وسنت حلول وبدائل راعت فيها خصوصية وعواقب قراراتها على معيشة وحياة المواطنين والمقيمين، وأطلقت حزمة من القرارات الاقتصادية لإعانة تلك الفئات المتضررة من كورونا التي داهمت العالم وأربكت حساباته وأوقفت من تطوره، الدولة السعودية استبقت الكثير من دول العالم وقدمت نموذجاً يحتذي في كيفية إدارة الأزمة وحفزت من دور المواطن والمقيم للقيام بمسئوليته تجاه المجتمع وبذلك تكون قد ألقت بالكرة في ملعب المواطن والمقيم كي يضطلع بمسؤوليته تجاه حماية أسرته ومجتمعه، وتكون بذلك قد رسخت من قيم ومبادئ وتعاليم الدين الإسلامي الذي يعلي من الاهتمام بصحة وعافية الإنسان.
الدولة السعودية نجحت حتى الآن بكل أجهزتها في إدارة الأزمة في الوقت الذي فشلت فيه دول كإيطاليا التي صنعت عصر النهضة وسادت العالم الحديث، الحرب على كورونا تتطلب وعياً أكثر من المواطن، ودوراً أكثر للفرد، فالعلاقة بين الدولة ومواطنيها أساسها التكامل والتعاضد، الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها المملكة لا يمكن لها أن تحقق نتائج مرجوة إلا بالالتزام الكامل من الفرد الذي هو نواة المجتمع، والهدف الرئيس الذي تسعى إليه الدولة لحمايته، ورفاهيته، وسلامته، الأوضاع خارج المملكة جد خطيرة بل مهولة، لا تستهينوا بفيروس كورونا اللعين فقد حول مدناً كانت عامرة وحصينة بالأمس، كانت تنعم بالحياة والرفاهية مثل بارما وروما وميلانو ومدريد وبرلين وكاليفورنيا ونيويورك وغيرها إلى مدن أشباح، الذباب الأزرق يغطي سماواتها، ورائحة الجثث المحروقة تغطي ما سواها من روائح.
علينا أن نتعلم كبشر من عالم النمل حينما شعرت نملة بالخطر عندما رأت جند سليمان يقتربون، قالت كما ورد في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، علينا أن نأخذ حذرنا ونمكث في منازلنا، النمل معلم للإنسان في معظم الأزمان.
** **
كاتب صحفي وإعلامي مصري - مدير مكتب مؤسسة روز اليوسف الصحفية المصرية بالسعودية