بدرية بنت عبدالله الشمري
عندما توقفت حياتنا التي نعرفها وظننا أنها لن تعود اعترانا الخوف والترقب هل لأن التغيير صعب أو لأن ما كنا نعيشه رغم تذمرنا الدائم كان الأفضل لنا؟ هل نحن بحاجة لفترة تعرّف جديدة على النعم ومصافحة ما حولنا من بهجة كانت غائبة عنا في خضم المباهج؟ تكاثرت الأسئلة وغابت الإجابات ولكن الشيء الوحيد المتفق عليه أننا اكتشفنا كم نحن ضعفاء!
شوارع الرياض المزدحمة وتلك الإشارة التي تفتح وتقفل وأحدهم يبدأ ويكمل نقاشه الحاد على الواتساب أو رسالته اليومية لمتابعيه على سناب تشات وهو لم يكمل طريقة ويصل إلى وجهته هي أمنية عندما خلت الطرقات وافتقد البشر ضجيج بعضهم البعض. رائحة القهوة وازدحام المقاهي بتلك الكلمات المتصلة التي تشبه تعويذة وفي نهايتها تتشكَّل قهوة أحدهم الصباحية صارت في قائمة الأمنيات أيضاً. المطاعم التي تجبرنا على الانتظار من أجل طاولة بأربعة كراسي وطبق يمكن إعداده في المنزل كانت في حينها تسبب التذمر للبعض ولكنها الآن أمنية لأن مرارة ما نعيشه أصعب بكثير من تعب مضى.
حضر كورونا ليخبرهم كم كانت راحة لهم ومتنفساً رغم ضيق حدود الأماكن وأنها الشافية الكافية لكل هموم قد تغلبنا ليكتشفوا حين فقدها أنها العبادة التي تصلنا بربنا رغم بعد المسافات.
والصلوات التي تجمع المسلمين في الأحياء، والمدارس التي أغلقت أبوابها وعلقت أجراس حصصها وهجر طلابها مقاعدهم وغابت ضحكات صغارها واصطفاف طلابها وتذمر معلميهم وقائدهم من فوضاهم والأصوات التي يمتلئ بها الأثير (بمديرتي الفاضلة معلماتي العزيزات وأخواتي الطالبات) أصبح الحنين إليه أمنية يومية كل صباح.
ساحات الحرمين الشريفين والاستعداد للعمرة أو الزيارة، ماء زمزم هدايا العائدين من الأراضي الشريفة كلها سقطت في القلب جمرة شوق للقاء مرتقب.
عناق الأحبة وقبلاتهم وتلك الزيارات الخاطفة لبيوت أصدقائنا وجيراننا، الاستعداد لرمضان، الوقوف للفوز ببوب كورن والركض لقاعة السينما حتى لا يفوتنا الفيلم كلها ينقبض القلب عندما نتذكَّر أنه من الممكن أن يطول الغياب عنها. العروس التي جهّزت لليلة عمرها أقفلت حقائبها على كل أحلامها في انتظار عودة الحياة من جديد.
الشيء الثابت الوحيد في كل هذا هو تعاقب الليل والنهار وعقارب الساعة التي تدور بمواعيدها ولا تتوقف. السنن الكونية الثابتة ما زالت قائمة وكأنها تعلن أن لا يد لنا في شيء إلا الانتظار.
اللهم بعزتك وجلالك ارفع هذا الوباء عن سائر بلاد العالم وأحسن خاتمتنا، فعفوك يسبق غضبك ورحمتك تسبق عذابك إنك على كل شيء قدير.