د. محمد بن يحيى الفال
جاء خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي ألقاه قبل أيام على خلفية الجائحة التي تجتاح العالم حاليًا، المعروفة علميًّا بـ»كوفيد 19»، والمعروفة إعلاميًّا ومجتمعيًّا بوباء كورونا.. جاء الخطاب بلسمًا، ووضع النقاط على الحروف، واتسم بشفافية واضحة، لا لبس فيها، كعادة خادم الحرمين الشريفين التي عُرف بها - رعاه الله - من قِبل الجميع. ومع أن الخطاب كان مقتضبًا بيد أنه احتوى على كل ما يهم المواطنين والمقيمين والعالم أجمع حول موقف المملكة العربية السعودية من هذه الجائحة غير المسبوقة التي تجتاح العالم بأكمله، وتشكل تهديدًا غير مسبوق للأمن والسلم العالميَّيْن، تهديدًا فاق في قدرته كل الصراعات والنزاعات العسكرية التي تدور رحاها في مختلف أصقاع العالم.
الخطاب الملكي يعدُّ بحد ذاته مؤشرًا واضحًا على أن سلامة وصحة المواطنين والمقيمين على أرض المملكة العربية السعودية، وكما يعرف ذلك الجميع، هي على رأس اهتمامات قيادة المملكة المتمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي ولي العهد ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. ونرى هذا الاهتمام يأخذ طريقه في التطبيق العملي على أرض الواقع من قِبل مسؤولي الحكومة كافة، وعلى رأسهم أصحاب المعالي الوزراء، والعاملون معهم كافة. ويتضح ذلك من خلال عشرة محاور رئيسة، تضمنها الخطاب الملكي.
المحور الأول - كما هو ديدن القيادة دائمًا - كان موجهًا للداخل الذي هو على رأس هرم أولوياتها، وأوضح الوضع الحالي بكل شفافية، وأن جائحة كورونا هي تجربة قاسية ومريرة وصعبة.. ومع قول ذلك، ومن منطلق التبشير والتفاؤل، تم التأكيد أنه سوف يتبعها يُسر من بعد عُسر؛ ليتولى المحور الثاني للخطاب البُعد الإنساني بغض النظر عن الهوية والدين، وغير ذلك من التصنيفات، وليؤكد الخطاب أن أزمة جائحة كورونا ستجد طريقها في التاريخ كواحدة من الشدائد التي مرت على البشرية جمعاء، وتحتاج من الجميع إلى التعاون لمواجهتها.
يعود الخطاب الملكي للتركيز على الداخل مرة أخرى كما بدأ، ويتضح ذلك في كل من المحاور (الثلاث، الرابع، الخامس، السادس، السابع والثامن).
المحور الثالث تم فيه طمأنة الجميع بأن حكومة المملكة العربية السعودية مستمرة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة لمواجهة الجائحة، والحد من آثارها. ويؤكد المحور الرابع تقدير القيادة - رعاها الله - لتعاون المواطنين، وأهمية ذلك من أجل إنجاح جهود الدولة المنصبّة على مواجهة جائحة كورونا؛ وعليه أكد الخطاب الملكي في محوره الخامس أن الدولة حريصة كل الحرص على توفير مستلزمات الحياة كافة من غذاء ودواء، وغير ذلك من الاحتياجات المعيشية للمواطنين والمقيمين كافة على أرضنا الطيبة.
وكون الجائحة متعلقة بالصحة جاء المحور السادس في الخطاب الملكي مركزًا على الجهود التي تُبذل من قِبل وزارة الصحة السعودية للحفاظ على صحة كل من المواطن والمقيم.
وثمّن الخطاب الجهود الحثيثة من قِبل الوزارة، والتضحيات المقدمة من العاملين كافة في القطاع الصحي، وكذلك الجهود التي تقوم بها القطاعات الحكومية كافة. ويشدد المحور السابع في الخطاب الملكي على أهمية التعاون والتكاتف بين الجميع لبث الروح الإيجابية، وتعزيز الوعي الفردي والجماعي لمواجهة جائحة كورونا.
المحور الثامن الذي يمكن وصفه ببيت القصيد أعاد ما جاء في الخطاب الملكي بشفافية واضحة في المحور الأول، وهو صعوبة المرحلة التي نعيشها حاليًا مع جائحة كورونا التي يعيشها العالم أجمع. ويؤكد المحور التاسع من الخطاب الملكي أن القادم بسبب الجائحة سيكون أكثر صعوبة، ليس فقط على المملكة بل على العالم أجمع. ومع قول ذلك جاء المحور العاشر (الأخير) من الخطاب الملكي مليئًا بالتفاؤل والإيمان والتوكل على الله، وبالعمل بالأسباب، منها توفير كل أسباب العيش الكريم للمواطنين والمقيمين، وأن الدولة سوف تبذل الغالي والنفيس لتحقيق ذلك، مع التشديد على أهمية أن يحرص الجميع على توخي الإحساس بالمسؤولية الجماعية بعزيمة وصلابة. وأوضح الخطاب الملكي أنها صفات عُرف بها أهل هذه الأرض الطيبة.
بعد القراءة لما تضمنه الخطاب الملكي بخصوص جائحة كورونا، الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -، فإن التطبيق العملي لما تضمنه الخطاب نراه على أرض الواقع في محاور عدة، لعل أولها - وهو الذي تلا الخطاب الملكي - أن أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمرًا ساميًا بضخ 72 مليار ريال لتحفيز القطاع الخاص على مواجهة تداعيات جائحة كورونا، وهي تداعيات أثرت بشكل كبير جدًّا في جُل اقتصاديات العالم.
وعلى ضوء الخطاب الملكي لاحظ الجميع الجهود الجبارة التي تقوم بها أجهزة الدولة في مواجهة جائحة كورونا غير المسبوقة. ومن هنا لا بد من الإشادة بجهود وزارة الصحة التي اتخذت من الشفافية المطلقة محورًا في عملها، وذلك بإعلان حالات الجائحة كافة على مستوي المملكة؛ وذلك انطلاقًا من الشفافية التي جاءت في الخطاب الملكي؛ وعليه وضعت الوزارة أطقمها الصحية كافة في استنفار تام، والعمل بشكل احترافي، سواء فيما يتعلق بكل من عزل وعلاج المصابين بكورونا، أو من خلال التوعية المميزة التي انطلقت مع البدايات الأولى التي تلت انتشار المرض، وإعلان منظمة الصحة العالمية وباء كورونا وباءً عالميًّا.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن منظمة الصحة العالمية تأخرت كثيرًا في إعلان شمولية الوباء، وذلك حتى تاريخ الحادي عشر من شهر مارس الجاري، وفقد العالم بأسره وقتًا ثمينًا جدًّا لمحاربة الفيروس الذي تعد سرعة انتشاره من أهم خصائصه. ونرى تأخُّر منظمة الصحة العالمية في إعلان كورونا وباء عالميًّا من خلال توقيتَيْن مهمَّيْن للغاية، لم تغتنم المنظمة فرصتهما، الأول السرعة الفائقة التي انتشر بها في مدينة ووهان عاصمة إقليم هوبي الصيني في أوائل شهر ديسمبر 2019، والتوقيت الثاني هو انتشاره كذلك بسرعة على متن سفينة الرحلات البحرية الأمريكية المسماة «أميرة الماس» «Diamond Princess»، التي انتشرت فيها عدوى كورونا بين المُبحرين على ظهرها، وأغلبهم من الأمريكيين؛ وهو ما اضطرها للرسو في ميناء يوكوهاما الياباني، وذلك في الرابع والعشرين من شهر فبراير المنصرم.
تأخرت منظمة الصحة العالمية في محاصرة الوباء، وكانت وزارات صحة في عدد من الدول، منها المملكة، سبّاقة في اتخاذ العديد من الإجراءات الاحترازية لمواجهته بعد أن اتضح لهم خاصية السرعة الفائقة في الانتشار التي تميز بها الوباء، وهو الأمر الذي لم يحدث من قبل مع أوبئة سابقة.
وكما قامت وزارة الصحة بدورها المناط بها فإن وزارة التجارة هي الأخرى أشرفت على توافر المواد الغذائية في أسواق المملكة كافة، ولم نرَ تهافتًا على شرائها كما رأينا ذلك في الكثير من دول العالم، حتى المتقدم منها. ولم تشرف الوزارة فقط على توافر السلع في الأسواق، بل قامت - ولا تزال - بمراقبة الأسواق بطريقة صارمة لمعاقبة كل مَن يحاول تخزين السلع أو الزيادة في أسعارها.
وشاهدنا كيف قامت وزارة الخارجية بدورها في متابعة شؤون المواطنين السعوديين في الخارج، وكيف قامت سفارات خادم الحرمين الشريفين بعمل كل ما يمكن من أجل التخفيف عليهم في غربتهم، الذي شمل إسكانهم في فنادق فاخرة، ومنحهم مصاريف نقدية لمساعدتهم في تدبُّر أمورهم حتى انفراج الأمور، وعودة رحلات الطيران لطبيعتها.
الحديث يطول ويطول عن كل ما يتم تقديمه من قِبل الدولة لراحة المواطنين في الداخل والخارج، وهو - وكما جاء في الخطاب الملكي - جهد تقوم به أجهزة الدولة كافة، وعلى الأصعدة كافة، سواء الصحية، التموينية، العدلية والأمنية.
كل هذه الجهود سوف تُكلَّل بالنجاح - بمشيئة الله تعالى - مع التزام المواطنين والمقيمين بالتعليمات المشددة بضرورة البقاء في منازلهم لحصار هذه الجائحة غير المسبوقة.