د. عائشة الفيحان
يمر الإنسان في العالم بظروف عصيبة وقلق غير مسبوق جراء تفشي جائحة كورونا التي لم تتمكن معظم الدول من مواجهتها والسيطرة عليها حتى الآن، فضلاً عن أن إمكانية امتداد اكتشاف مصل يقضي على هذا الفيروس قد يمتد إلى أكثر من ثمانية عشر شهراً.
وبين هذا وذاك فقد صار الإنسان مجبرًا على العزلة في منزله ليس من أجل سلامته فقط، بل ومن أجل سلامة المحيط أيضًا، فعبارة (الزم بيتك) تكررت كثيراً، وصارت من أهم نداءات الحكومة للمواطنين والمقيمين، وتعني أن على الجميع أن يلتزم منزله حفاظاً على أرواح البشر.
إن هذا النداء يشعرنا بالواجب الإنساني والوطني، فلم تعد أرواحنا فقط هي أمانة لدينا بل أرواح المحيط كله، لكن كم من الوقت سنقضيه في هذه العزلة، ومتى ستعود الحياة إلى وضعها الطبيعي وهل هذا مهم في الوقت الراهن؟ في الوقت الراهن لا يهم إن عادت الحياة إلى طبيعتها أم لا، بقدر ما يهم أن تعود السكينة والطمأنينة إلى أرواحنا، وتقضي الدول على الفيروس الذي استطاع أن يخلخل المنظومة الكونية كلها، ويعمل على خلخلة السكينة.
ومع ذلك قد نجد أسئلة جمة في هذه السياقات ولعل من أهما كيف نجعل من العزلة عزلة ذات جدوى؟ يمكن أن نؤكد أن الإنسان كان بحاجة ماسة إلى هذه العزلة، لاسيما بعد أن كان قد انخرط في صخب الحياة ولم يكن يفكر بالاستقرار والسكينة مطلقًا ربما، بل كان يضاعف السير والسرعة في الانخراط في دوامة الحياة وتفاصيلها المضنية، فما أحوج الإنسان في وقتنا هذا إلى العزلة التي يعود بها إلى نفسه، وينجز فيها مشاريعه وأفكاره التي أجلها إلى حين توفر الوقت لذلك.
لقد تهيأت الفرصة مع هذه العزلة الإجبارية لكن هل سينجز الإنسان مشاريعه المؤجلة؟ فقد قال أحد البلغاء: «لا تمض يومك من غير منفعة، فالعمر أقصر من أن ينفد في غير المنافع والعاقل أجل من أن يفنى أيامه فيما لا يعود عليه نفعه وخيره».
إن العزلة فرصة، وفرصة العزلة الإجبارية لابد أن تستثمر فيما يعود علينا بالمنفعة، لاسيما أنه لا يضاهي لذة الشعور بالإنجاز لذة أخرى؛ لأنها أكثر شدة وطولاً فهذه المتعة تقدم لصاحبها حالاً من الطمأنينة والسكينة.