د.شريف بن محمد الأتربي
منذ فجر التاريخ والعالم يمر بأزمات على فترات متباعدة أو حتى متقاربة تؤثر في العالم كله ولعل أولى هذه الكوارث مقتل هابيل على يد أخيه قابيل، وقد أجمع المؤرخون على عدد من الكوارث التي عُدت أعظم كوارث البشرية، فما بين عامي 1918 - 1919 قُتل أكثر من 100 مليون شخص نتيجة وباء الإنفلونزا.
وفي الهند قُتل 10 ملايين شخص نتيجة المجاعة بين عامي 1769 - 1773، وفي آسيا أيضًا كان الجفاف في الصين سببًا في مقتل 9 ملايين شخص بين أعوام 1876 - 1879، ولم يكتف الجفاف بهذه الكارثة بل إن الفيضان أيضًا كان له نصيب من الكوارث التي ضربت الصين حيث قُتل عام 1931م نحو 3.7 مليون شخص، إلى جانب فيضان النهر الأصفر عام 1887 الذي خلف مليوني قتيل.
وفي أوروبا كانت أيرلندا صاحبة السبق في الكوارث التي نزلت في المنطقة حين قُتل مليون شخص ما بين أعوام 1845 - 1848 نتيجة مجاعة البطاطس، وفي العالم العربي كانت مصر وسوريا مركزًا للزلازل؛ حيث قُتل عام 1201 مليون شخص.
ونعود للصين مرة أخرى ولكن من خلال الزلازل وليس الفيضانات ولا الجفاف حيث قُتل عام 1556 في شانشي 830 ألف شخص، ولم تخل الكوارث الطبيعية من الأعاصير حيث ضرب إعصار هائل منطقتي بنجلادش وشرق باكستان عام 1970 مخلفًا وراءه 500 ألف قتيل.
وفي الهند تسببت الأعاصير عام 1839 في مقتل 300 ألف شخص.
كل هذه الكوارث وغيرها جعلت العلماء يضعون الأسس النظرية لعلم إدارة الأزمات والكوارث وهو علم مختلف في أساليبه وتطبيقاته، عن العلوم الأخرى. فإدارة الأزمات والكوارث تهدف إلى التحكم في أحداث تقع فجأة وتتفاقم، حيث يتم التعامل معها وتصنيفها ومواجهة آثارها ونتائجها.
وتعمل إدارة الأزمات على الدراسة والبحث، والمعرفة والتجارب المستفادة والتخطيط واستخدام المعلومات والبيانات كأساس للقرار السليم. كما تعمل -من خلال التعامل الفوري مع الأحداث- على وقف تصاعد الأحداث والسيطرة عليها وتحجيمها وحرمانها من مقومات تعاظمها ومن أي روافد جديدة قد تكتسبها أثناء قوة اندفاعها.
ولوسائل الإعلام علاقة وثيقة بإدارة الأزمات عند إدارة ومواجهة الأزمات والكوارث المختلفة، سواء قبل وقوعها أو أثناء حدوثها أو بعد الانتهاء منها، مما يستوجب إبراز هذا الدور وأهميته في توفير الأمن والاستقرار في المجتمع ككل. وقد تعددت التعاريف الخاصة بمصطلح الأزمة والكارثة، حيث تختلف المفاهيم والروى في كل دولة ومجتمع، بحسب نظرتها للأزمة أو الكارثة، فهناك من يرى أن الأزمة حدث مفاجئ يسبب ضغطًا لصانع القرار يستلزم مواجهة هذا الحدث بوسائل وأساليب علمية، تساعد على القضاء عليه قبل استفحاله، وهناك من يرى أن سبب حدوث الأزمة عدم توقعها رغم ظهور علامات وإشارات لحدوثها، أو الفهم الخاطئ أو التعامل الخاطئ مع أحداثها، أما الكارثة فيختلف تعريفها بحسب حجمها وأضراراها المادية والمعنوية، فهناك من يري أن حدوث واقعة مادية ينتج عنها وفيات وإصابات وخسائر مادية تعد كارثة، وهناك من يرى أن انتشار وباء أو مرض معدٍ يسبب حالات وفيات يعد كارثة، وهناك من يرى أن حدوث خسائر مادية نتيجة إعصار مدمر أو حدوث حرائق، يعد كارثة، تستوجب تدخل الدولة أو المجتمع الدولي لتقديم المساعدة والتقليل من الأضرار. وفي المملكة العربية السعودية ومنذ مئات السنين وضعت الدولة نصب عينيها القدرة على إدارات الأزمات والكوارث حتى قبل وضع العلم الخاص بهما، وقد ظهر ذلك جليًا في كثير من الأحداث خاصة فيما يتعلق بإدارة مناسك الحج حيث يتم دراسة جميع المعلومات والمعطيات والتوقعات والعمل من خلال جميع قطاعات الدولة جنبًا إلى جنب على تلافي حدوثها وتقليل آثارها إن حدثت.
وخلال الفترة الحالية ومع انتشار فيروس كورونا الجديد اتخذت المملكة العربية السعودية مجموعة من التدابير الاحترازية التي ساعدت وستساعد بإذن الله على وقاية المجتمع وتجاوز الأزمة بسرعة وكفاءة. إن سياسات المملكة العربية السعودية الداخلية والخارجية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين المُلهم المجدد الأمير محمد بن سلمان يحفظهم الله ثابتة وقوية وواضحة هدفها المواطن أولا. فقد تم تعليق الدراسة وإيقاف الرحلات الجوية وتوفير أماكن حجر صحي لكل من أصيب أو تم الاشتباه في إصابته بالفيروس، وتابع ذلك مجموعة من القرارات الحازمة الحامية للوطن وللمواطن من الوقوع فريسة سهلة لهذا الفيروس كما وقعت في براثنه دول تُعد من كبريات الدول في العالم التي تهاون قادتها في تقدير خطورة الحالة ولم يتقنوا فن إدارة الأزمات. حفظ الله البلاد والعباد من كل مكروه وشر وضر.