سمر المقرن
مرحلة عصيبة وليست سهلة أبداً هذه التي يمر بها العالم بكل مكوناته واختلافاته لمحاربة عدو واحد هو «كورونا».. من بين هذا الشاطئ المجدب وظلامه الأسود الحالك هناك بقعة ضوء ناصعة البياض، وإيجابيات لمسناها ستجعلنا بعد انقشاع الغمة نؤرخ حياتنا بما قبل كورونا وما بعد كورونا، أهمها إدراك قيمة الحياة، بعدما رأينا بعض الأشخاص الذين كانوا يرحبون بالموت في رحلة هجرة غير شرعية بحثاً عن فرصة عمل في إيطاليا، يحاولون الآن الفرار من جحيم الوباء حالمين بالعودة إلى أوطانهم سالمين غانمين معافين وهذه أقصى طموحاتهم.
اليوم وفي هذه الظروف، أصبحت غايتنا العظمى أن نحظى بالصحة والنجاة من خطر الموت، بعد أن عشنا تجربة العزلة حيث أرغمتنا على أن نفكر ونجلس مع أنفسنا، محظوظ من يعيد ترتيب أوراقاً كثيرة نسيها وسط مشاغله اليومية، أن تتغير النظرة إلى المستقبل وتتعدل خارطة الأحلام، وليت هذه التجربة تعيد إلى الأشرار وعشاق الكراهية شيئاً من الإنسانية!
اليوم العالم كلّه ليس له أولوية سوى الصحة، وهذه المحنة جعلتنا نرى من بعيد دولاً لم تبدأ باكراً احترازاتها كإيطاليا، وها هي ترفع راية الاستسلام للموت. وهذا النموذج يضاعف المسؤولية لدى كل منّا والدور المطلوب ليس بصعب ولا مستحيل، فالوطن لا يحتاج منّا سوى البقاء في المنزل لمحاصرة الوباء والخلاص منه بأقل خسائر ممكنة، بعدما رأينا الدور العظيم الذي قامت به المملكة لحماية أرضها ومن عليها، لتكون ثقتنا بقيادتنا أكثر وأكثر لما يقدمونه من دعم مستمر ولا محدود من أجل الوطن والمواطن والمقيم بإجراءات احترازية واقتصادية وإنسانية ترسل الطمأنينة لقلوبنا جميعاً، وها نحن اليوم في خِضم هذه التجربة الموجعة إلا أن فيها من الإضاءات الإيجابية الكثير، فقد تجسدت قيم التضامن والتعاون، وحرصنا على ألا نصاب بعدوى ربما نتعافى منها لكنها قد تضر أشخاصاً غيرنا. وصارت تلوح في الأفق الحكمة القائلة (حب لأخيك ما تحب لنفسك)، أيضاً من الإجراءات الموجعة في توقف عجلة مناشط الحياة، نأخذ إضاءات إيجابية فبعد تراجع نشاط منع الرحلات البرية والبحرية والجوية وتطبيق الحجر الصحي وحظر التجول وتقليل تحركات السيارات في الشوارع، هذا بلا شك يؤدي إلى انخفاض في مستويات أكسيد النيتروجين المسببة للتلوث في أنحاء العالم حسبما أظهرت خرائط ناسا.
ويبقى أولا وأخيرا الإحساس بالمسؤولية في الالتزام بالحجر الصحي وعدم الذهاب في تجمعات كثيرة والبقاء في البيت من ضمن إيجابيات بزغت من بين ظلام الوباء.
سوف نتجاوز الأزمة، لكننا بلا شك سوف نتعلم منها الكثير، سوف نستشعر تفاصيل الحياة التي كنّا لا نشعر بأهميتها. الحياة جميلة وفي ظل هذه الأزمة سوف نراها في المستقبل أجمل.