عبدالوهاب الفايز
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- في كلمته للموطنين الخميس الماضي، كما عودنا، كان صريحًا في دعوته لنا جميعًا (للإحساس بالمسؤولية الجماعية) استعدادًا للظروف الصعبة. قال حفظه الله: (لقد تعودتم مني على الصراحة، ولذلك بادرتكم بالقول إننا نمر بمرحلة صعبة، ضمن ما يمر به العالم كله، وأقول لكم أيضًا: إن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة على المستوى العالمي لمواجهة هذا الانتشار السريع لهذه الجائحة، لكنني في الوقت ذاته، أعلم أننا سنواجه المصاعب بإيماننا بالله وتوكلنا عليه، وعملنا بالأسباب، وبذلنا الغالي والنفيس للمحافظة على صحة الإنسان وسلامته، وتوفير كل أسباب العيش الكريم له، مستندين على صلابتكم وقوة عزيمتكم، وعلى إحساسكم بالمسؤولية الجماعية).
الدعوة الكريمة هنا تعني أننا جميعًا (يجب أن نكون جزءًا من الحل) للتصدي للظروف الصعبة الطارئة التي لم يكن أحد يتوقعها ويستعد لها، فقد فرضت حضورها وسطوتها على العالم أجمع.
في هذه الظروف الحكومة السعودية لم تلتزم الحياد، بل اتخذت ما هو ضروري اتخاذه، حيث قدمت الدعم وإلغاء وتأجيل بعض الرسوم، وكذلك استخدمت السياسة النقدية، فقررت ضخ 50 مليار ريال لدعم السيولة لدى البنوك، والأهم أن الدعم وهذه المبالغ وجهت لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي أقبل عليها الشباب بقوة في السنوات الماضية.
دعم الطرف الضعيف في الاقتصاد هو التوجه الصحيح الإيجابي لأنه المتضرر الأكبر من تبعات الأوضاع الطارئة، والمحافظة على مكتسبات المنشآت الصغيرة والمتوسطة ضرورة اقتصادية، فهي الموظف المهم للموارد البشرية، وهي رافد جديد يتشكل في مكون الطبقة الوسطى، ومن مصلحتنا العليا في السنوات القادمة العمل بكل ما يؤدي إلى استقرار الشريحة الواسعة من الناس، وهذا يعطي المبرر القوي لدعم المنشآت الصغيرة، بخلاف المجموعات والشركات الكبيرة، فهذه ثبت من حالات سابقة أن دعمها محدود الأثر، ويستفيد منه غالبًا الملاك ومجالس الإدارات والقيادات التنفيذية.
وهناك مثال حي مطروح في أمريكا الأسبوع الماضي، فقد سعت شركة بوينغ لطلب 60 مليار دولار من الحكومة لإنقاذها. هذا الطلب قوبل بحذر واشتراطات وضوابط، مثل إلزامها بعدم تسريح العاملين، لأن الذي حدث سابقًا عام 2013 كان سلبيًا، فقد وزعت الشركة مبلغ الإنقاذ وقدره 60 مليار على مساهميها، حيث أنفقت 43 مليارًا لشراء الأسهم الخاصة، والباقي 17 مليارًا وزعت أرباحًا. كذلك شركات الطيران أنفقت مواردها المالية لإعادة شراء أسهمها الخاصة لأجل رفع سعرها في السوق، وجنى كبار مديريها الغنيمة لاحقًا بعد بيع أسهمهم بأكثر من مليار ونصف مليار دولار!
بقدر العزيمة التي اتخذتها الحكومة، الآن عليها الاستعداد لمواجهة واستيعاب تبعات الركود الاقتصادي العالمي الذي سوف يستمر لسنوات قادمة، فانتشار كرونا لن ينتهي قريبًا، وسوف يتراجع ثم يعود، وحالة التعاقب هذه سوف تستمر في إرباك حياة الناس والنشاط الاقتصادي. لذا نتطلع أن نرى في أولويات الحكومة، بعد الاهتمام بالصحة، الاستعداد لاحتمالات ومخاطر البطالة.
في أمريكا بدأت النخبة الاقتصادية تحذر من أزمة بطالة بمعدلات عالية، والرقم المتوقع قد يصل إلى 8 ملايين عاطل، وقد تتجاوز نسبة البطالة 10 % وهو المستوى الذي وصلت إليه عام 2010، بل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس جيمس بولارد، ذهب أبعد من ذلك، إذ توقع أن يصل معدل (البطالة في الولايات المتحدة إلى 30 % في الربع الثاني بسبب عمليات الإغلاق لمكافحة الفيروس التاجي، مع انخفاض غير مسبوق بنسبة 50 % في الناتج المحلي الإجمالي).
والخوف المبكر من البطالة توليه الحكومات أهمية قصوى توازى اهتمامها بكبح واحتواء الفايروس. طبعًا نحن مع العالم في الخوف من ارتفاع البطالة، فلدينا الآن ما يقارب المليون والمئتين ألف عاطل، وهذا الرقم مرشح للارتفاع، وقد يدخل في قائمة البطالة بشكل كبير أصحاب الشهادات العليا والخبرات الطويلة مما يعقد الأمر. لذا التحوط ضد هذا يتطلب اتخاذ إجراءات حكومية حقيقية مباشرة لتوسيع سوق العمل ومراجعة الآليات والمبادرات السابقة.
نحتاج إلى مراجعة ماذا قدمت الشركات التي إنشأتها الحكومة عبر الصناديق المختلفة، هل أدت إلى قيمة مضافة عبر فتح فرص عمل جديدة للسعوديين، وكم نسبة المتحقق في إجمالي المعروض من الوظائف، وما مدى استدامة الأعمال والأنشطة وتكلفتها. إيضًا نحتاج إلى مراجعة مستهدفات مبادرات التوطين، هل تحققت؟ أيضًا نحتاج إلى جهد المؤسسات الأهلية في هذا الملف.
توظيف شبابنا يجب أن يكون هاجسنا ومشروعنا جميعًا، وليس مشروع الحكومة. إذا توفرت فرص العمل، تنفتح الأبواب للمستقبل!