فوزية الجار الله
سعيد جداً وأنا في الطريق إلى ذلك الموقع الجديد في تلك المدينة النائية، حيث تتم عمليات البيع والشراء، تطوف برأسي أفكار مبهجة وأنا أمضي وقد عقدت النية لبيع «أرضي» التي لا أعلم كيف امتلكتها فقد كانت في نظري صغيرة وحقيرة حين ورثتها عن جدي منذ ثلاثين عاماً، لكنني حين وجدتني محاصراً ما بين المطرقة والسندان، هرعت أقلب ما لديّ من معلومات لكي أفاجأ حينها بأنها تساوي مبلغاً لا بأس به، لكن ورغم ذلك كنت بحاجة إلى قرض آخر لشراء البيت الذي استقبل عائلتي الصغيرة، رغم أنه لم يكن سوى شقة بأربع غرف في حي قديم في أطراف المدينة، ورغم ذلك اضطررت إلى الاستعانة بقرض يتجاوز المائة ألف ريال من بنكي الذي أتعامل معه، فقد كان حينها عرضاً مغرياً لا يقاوم ولم أجد بداً من الاستعانة به فقد كانت الفوائد المطلوبة أقل ما يمكن.. كنت ماضياً في تسديد القرض وفي الحياة المعتادة وذات سهو، بل ذات ضعف وإحساس بشيء من الضغط المادي، حيث كنت أسدد قرض منزل العائلة، سألت الموظف:
- هل يمكنني الاستعانة بقرض إضافي بسيط من البنك، أجابني:
حباً وكرامة، لم لا ؟!
- لكن لدي قرض سابق..
- لا عليك، لا يهمك نضيفه إليه وتتم تسويته، وعندها قلت: فقط خمسون ألفاً..
أجاب مبتسماً:
وإن أردت سبعين لا بأس، لن يكون فرق الفوائد كبيراً بين المبلغين..
قلت بيني وبين نفسي لا بأس لتكن سبعين!
- يحتاج الأمر إلى بعض الوقت للتسوية، سيكون مثل السابق.
اكتشفت بعد فترة أن عملية التسوية لم تكن كالسابق إطلاقاً، لقد كنت مخدوعاً إلى حد كبير، لم يكن ينبغي لي أن أثق بذلك الموظف الغبي، بل ربما أكون أنا من تلبسه الغباء في تلك اللحظة تحت وطأة الحاجة المتخيلة، لم أكن بحاجة شديدة كان يمكنني التحمل بعض الوقت، أما الموظف فمن المؤكد أنه كان سيحصل على مصلحة ما مقابل هذه العملية بشكل أو آخر فقد كان ذلك واضحاً من حماسه الشديد، تمت مضاعفة المبلغ إلى ما يزيد عن الضعف وسوف يمتد التسديد إلى خمس سنوات قادمة.. أخذت أحسب السنوات واحدة بعد الأخرى رغم أنها عمري الذي يمضي بلا توقف، لكنني أريده أن يمضي كي ينتهي معه تسديد هذا القرض الذي أشعر به قيداً يخنقني، أتمنى الانتهاء منه اليوم قبل الغد..
- مرحباً أستاذ.. أهلاً بك، هل وقتك مناسب؟! لدينا عرض تمويل جيد، نود الحديث معك حوله إن كان لديك وقت؟
صوت أنثوي يهاتفني، يخترق عزلتي، كنت حينها متعباً من تلك الأخبار التي تثير الكآبة والألم حول وباء «كورونا» الذي تفشى في أنحاء العالم والذي توقفت لأجله المدارس والجامعات وكثير من الأعمال في القطاعين الحكومي والخاص والكثير من معالم الحياة، عمدت إلى تخفيض صوت التلفاز والاكتفاء بمتابعة الشريط الإخباري.
-يتبع-،،،