رجاء العتيبي
لا يمكن للعالم أن يتغير وهو يعيش بذات (النفس) الذي بدأه بعد الحرب العالمية الثانية 1945م، عقب تلك الحرب تشكل عالم جديد بعد أن فقد نحو 50 مليون إِنسان، على ضوء القيم الجديد للعالم تشكل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمات أخرى عالمية جاءت تباعًا لتنظم العلاقات الدولية بما يخدم مصالحها، وبدت أمريكا أكثر قوة من ذي قبل وتسيدت وسادت.
75 سنة هي عمر الأنظمة والمنظمات والقوانين كانت كفيلة بأن (يتكلس) العالم و(تنسد) كل فرص التغيير والتطور والتجديد، ومن جهة أحدث (طول الأمد) انقلاب الأشرار والمزايدين والمنتفعين على قيم العالم الراسخة فخلا لهم الجو في أواخره أكثر مما كان لهم في بدايته.
وجدت بريطانيا - تبعا لطول الأمد - أن الاتحاد الأوروبي لم يعد يخدم أهدافها فخرجت منه مؤخرًا، وتفكك قبلها الاتحاد السوفييتي لذات السبب إلى دول شتى تتقدمهم روسيا، أحداث كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية وطبية وتقنية ودينية مرت على العالم، ولكنها لم تفلح كلها في تشكيل عالم جديد مختلف يظهر بصورة مغايرة عن السابق.
التحولات التي حصلت نتيجة للحروب والاقتصاد والبترول والإرهاب كانت ظرفية وكانت في أمكنة محددة فكان تأثيرها ينحصر في منطقة جغرافية واحدة ولم يصل لكل العالم، لهذا ظل (الانسداد) التاريخي مستمرًا وظل العالم (بتلقائيته) في مراحله الأخيرة يعيد إنتاج نفسه، لم تحدث أي انفراجه رغم المحاولات المقصودة وغير المقصودة.
كان التغيير يحدث عادة من قيادات مؤثرة أو من دول ذات طموح كبير، فيقلب العالم رأسًا على عقب، ولكن التغيير اليوم في مستهل عام 2020م والمفاجأة الكبرى غير المتوقعة، جاء من فيروس قلب العالم وقام بعملية (تصحيح) من قمة المؤشر، عملية كبيرة وشاملة لكل الكرة الأرضية نعيش الآن بداياته، ولكن كل المؤشرات تقول إننا بإزاء حدث مختلف.
حدث جبار، حدث مهول، يصنف العالم إلى مرحلتين: ما قبل كورونا COVID-19 وما بعده، عالم لن يكون كالذي قبله بتاتًا، والمتوقع أن يكون أكثير إيجابية وتركيزه سيكون باتجاه الإنسان بوصفه كائنًا عالميًا. وستظهر أنظمة جديدة منها على سبيل المثال: منظمات للصحة العالمية أكثر تأثيرًا وعلاقات دولية أكثر متانة باعتبار العالم الجديد عالمًا واحدًا يتأثر شماله بجنوبه وشرقه بغربه، والمتوقع أنه زمن جديد بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، غير أن أكبر الخاسرين فيه هم: تجار الدين، والطوائف الدينية، ولصوص الأحزاب، وقادة الانقلابات السياسية، وأصحاب الخواء الفكري، وسيكون العالم عبد هذه الجائحة العالمية معتمدًا في انطلاقته الجديدة على الثورة الصناعية الرابعة، فكل ما حدث يصب في صالح هذه الثورة.