أ.د.عثمان بن صالح العامر
فجأة دون سابق إنذر نتيجة (لجائحة عالمية) غيَّرت مجرى الأحداث السياسية والاقتصادية والفكرية والإعلامية، وهزَّت الكرة الأرضية ومَن عليها دون استثناء، وهي مجرد فايروس لا يُرى بالعين المجرَّدة يُدعى (كورونا) - فجأة وجد المجتمع الأكاديمي نفسه أمام ما يُعرف (بالتعليم عن بعد). ومع تسجيلي الشكر الجزيل لجامعاتنا السعودية قيادات وأساتذة وإداريين ومتخصصين بالتقنية والدعم الفني لما بذلوه من جهد جبار وما زالوا يبذلونه حتى يستمر العمل التدريسي على ما كان عليه أو مقارباً منه، إلا أن هذا النوع من التعليم له ثقافته وآلياته وسلوكياته التي قد تكون غائبة عند البعض للأسف الشديد سواء أكان هذا البعض من الطرف المرسل (عضو هيئة التدريس) أو طرف المستقبل (الطالب) والمجتمع الأسري الذي هو فيه. ولذلك مع كل الجهد الذي يُبذل، والجرعات التثقيفية والتوعوية التي تعطى، إلا أن هناك من الطلاب من لم يدرك بعد ماذا يعني هذا النوع من التعليم، وما الواجب عليه إزاء الحضور المنتظم، والمشاركة الفعلية في المناقشة والحوار، وماذا يعني أن يحضر المحاضرة وهو في بيته، ويجري اختباراته ويقدِّم أبحاثه وتقاريره بطريقة مغايرة تماماً عمَّا اعتاده منذ كان عمره ست سنوات إلى أن جاوز العشرين عاماً؟
إن هذه المحنة التي نمر بها سنواجهها - كما قال مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفطه الله- (بإيماننا بالله وتوكلنا عليه، وعملنا بالأسباب) ومن بين الأسباب المهمة في هذا السياق تغيّر ثقافات عدة سواء ما كان منها في دائرة العادات والأعراف والتقاليد كمصافحة وتقبيل بعضنا البعض في كل لقاء يجمعنا، ومنها ما له علاقة بالنظافة الشخصية، ومنها ما هو مرتبط بالتوظيف الصحيح للتقنية والاستفادة من المنجزات الحضارية العالمية في مسيرتنا التعليمية وغيرها.. ولا بد أن يتواكب مع هذا الأخير - الذي هو محل حديثي في مقالي اليوم - شعور الطالب الذاتي بأهمية حضور المحاضرة في القاعة الافتراضية، ونزاهته عن الغش حين الاختبار عن بعد حتى وإن كان الكتاب قريباً منه، ولا يراه أحد من البشر، وأستاذ المادة في مكان قصي عنه، وتهيئة جوه النفسي والمكاني لتلقي الدرس، والانتظام في برنامجه اليومي كما كان عليه الحال حين كان التعليم وجهاً لوجه.
أكثر الأعذار التي يسوقها الطلاب اليوم (نمت وأنا معك يا دكتور ولذلك طلعت من القاعة الافتراضية وأنت تشرح) وهذا يعني أنه كان فاتح الجوال وهو في سريره الذي يخلد فيه للنوم! (أنا ساكن في قرية والنت عندي ضعيف ولذلك قطع الاتصال)، وهذه مسؤولية شركات الاتصال! وخذ من هذه الأعذار التي تنم في محصلتها النهائية أن هناك ثقافة مترسِّخة لدى شريحة من الطلاب إن هذا النوع من التعليم لا يمكن إن يكون بديلاً عن التعليم التقليدي يوماً ما، وربما سرت هذه الثقافة في جسد الأسرة فصار ولي الأمر الذي كان حريصاً على إيقاظ أولاده للذهاب إلى الجامعة كل صباح حسب جدولهم اليومي لا يبالي هذه الأيام بمتابعتهم في هذا الظرف الصعب تقليلاً من شأن التعليم الافتراضي، والأدهى والأمر حين يبتلى المجتمع الأكاديمي بأعضاء هيئة تدريس لديهم هذه النظرة القاصرة لهذا النوع الجديد من التعليم الذي يمكن له في يوم من الأيام أن يحل بديلاً عن التعليم التقليدي المعروف في بعض التخصصات أو حتى المواد العامة في جامعاتنا السعودية.
أكرِّر شكري الجزيل لجامعاتنا السعودية على ما تقدِّمه من جهود نوعية متميزة في سبيل استمرار الدراسة الجامعية في كل الكليات وفي جميع التخصصات، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.