د. حامد بن مالح الشمري
إن غياب الأب عن الأسرة لفترات طويلة له سلبيات عدة، خصوصاً الغياب للبحث عما يشبع رغباته واهتماماته الشخصية، ومن هذه السلبيات على سبيل المثال: فقدان الأبناء للجانب التربوي والعاطفي والنفسي، والإحساس بغياب من يقوم على متابعة ورعاية سلوكياتهم أو يراقب تصرفاتهم، خصوصاً في مرحلة المراهقة، مما يدفع بالكثيرين منهم إلى ممارسة سلوكيات خاطئة، وأيضاً يتوقف التوجيه التربوي الأبوي لديهم وهو الأهم في مسيرة تربية الأبناء، الأم تستطيع -وبتوفيق من الله- تربية أبنائها على الرغم من صعوبة هذه المهمة في هذا الزمن، فهي بحاجة ماسة إلى مساعدة وتوجيهات زوجها، والعمل المشترك على تربية ومتابعة الأبناء، لما لذلك من مردود إيجابي على العملية التربوية وعلى بث الطمأنينة والتوازن النفسي والعاطفي في نفوس الأبناء، بحيث لا يشعرون بغياب الأب عن المنزل، ولا في انحصار دوره في توفير المأكل والمشرب والكساء!!
الأب هو ربان السفينة الذي يقودها -بإذن الله- إلى شاطئ الأمان، وهو المسئول عن تنشئة وتربية أسرته، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وهذا التوجيه بين الحقوق والواجبات لكل من الزوج والزوجة والأولاد، ومعلوم بأن الأب هو القدوة الحسنة لأبنائه في التعامل مع الآخرين وفي تصرفاته وأفعاله وأقواله كافة، والترجمة العملية لصلاحه وطاعته لأوامر الله، ومطلوب من الزوجين التعرف على كيفية مواجهة تربية الأبناء برفق وحزم في آنٍ واحد، بحيث لا يكون التعامل قاسياً بالكلام أو الضرب، وإنما من خلال إحساس الأبناء بعدم الرضا أو القبول على ما قام به الأبناء من تصرف، وهذا لا يعني بكل المقاييس التساهل وترك الحبل على الغارب، وترك الأبناء يفعلون ما يريدون، وكما يقال (لا تكن صلباً فتكسر ولا ليناً فتعصر). لكن ماذا عن الزوج الحاضر الغائب الذي هجر منزله وترك الزوجة والأبناء وأصبح منشغلاً باهتماماته ورغباته الخاصة من سفر ورحلات برية وسهر خارج المنزل في الاستراحات وغيرها حتى أصبحت اهتماماته التربوية والترفيهية والعائلية بأسرته تأتي في ذيل أولوياته، إن ضحية هذا التصرف غير المسئول هم الزوجة والأبناء، فهم يترقبون عودته وينتظرون الفرصة تلو الفرصة للقاء والدهم وتكرمه عليهم ولو بوقت قليل.
إن الحياة الزوجية الناجحة هي تلك المعاشرة القائمة على المحبة والتعاون والتضحية، وهي سكن ومودة، ومنها تكونت الأسرة والبيوت والمجتمعات والأمم، وهو الأساس الذي تبنى عليه الأسرة المسلمة.
إن غياب الأب عن البيت -على الرغم من قربه منهم- بدواعي إشباع اهتماماته وميوله الشخصية يفتح الباب على مصراعيه للأبناء لفعل ما يريدون، فهذا يقضي الساعات الطويلة على الإنترنت، وآخر خلف الفضائيات وآخر مع رفاق السوء.. الخ، إضافة إلى ضعف المحصول التربوي والمعرفي والاجتماعي والديني لديهم بسبب تخلي الأب عنهم، خصوصاً ونحن ندرك أن المنزل هو مدرسة متكاملة يقضي فيه الأبناء أطول وقت خلال أهم مرحلة عمرية، فإما أن يكون المنزل رافداً ومصدراً قوياً يزداد وينهل منه الأبناء ما يفيدهم في الدنيا والآخرة، وإما أن يكون عامل هدم وضياع، ولهذا فإن المهم أن يتولد لدى الأبناء إحساس بالأمن والطمأنينة والثقة والمودة داخل منزلهم، لأن ذلك من مقومات التربية السليمة وهو بلا شك امتداد للعلاقة الناجحة بين الزوجين، فلا طعم للحياة الزوجية من دون أسرة متحابة ومتماسكة، يسود أفرادها التقدير والاحترام والتلاحم المستمر، وبحيث يكون -بعد الله- الملاذ الآمن لأفرادها، وتحقق من خلالها السعادة والراحة والآمال والطموحات، وتكون -بعد الله- لهم حصناً منيعاً من الانحراف والتشتت والضياع.
إن واجب الوالد البحث الدائم عن الأساليب والطرق التربوية المفيدة لأفراد أسرته، والتي تحقق التوازن من خلالها، المطلوب في كل شيء، وبمشاركة زوجته، فمثلاً يخصص للأبناء أوقاتاً لقراءة القرآن الكريم وتفسيره، والنزهة والسباحة وزيارة الأقارب، وتخصيص وقت لجلسة عائلية لتبادل الآراء والاستماع والإصغاء للأبناء، والعمل على اكتشاف مواهب الأبناء وصقلها وتنميتها، وتقدير كل ما يقوم به الأبناء من أعمال، وكذلك منحهم الثقة، مع أهمية وجود القدوة الحسنة للأبناء، فمن الخطأ الجسيم أن تكون أقوال الأب تخالف أفعاله، فلا ينهي الأبناء عن سلوك معين أو عمل معين أو يطلب منهم مثلاً الذهاب للمسجد وهو لا يقوم بذلك، فإن ردة فعل الأبناء سوف تكون قاسية ولا يكون لوالدهم أي شخصية اعتبارية، تربية الأبناء فإن ردة فعل الأبناء تربية الأبناء ليست مسئولية الزوج لوحده، فالأم تقع عليها مسئولية كبيرة، لأنها الأقرب والأكثر ملازمة للأبناء، فهي تقضي معظم أوقاتها بينهم، والأم لها تأثير كبير في صياغة وتشكيل شخصيات وقدرات أبنائها، خصوصاً في سن ما قبل المراهقة، وهي الأهم، ولا بد من تقسيم الأدوار التربوية بين الأب والأم، مع أهمية الاتفاق على طرق تربيتهم بعيداً عن أنظار الأبناء، والحذر كل الحذر من ذكر عيوب كل من الزوجين في التربية أو غيرها أو الدخول في مشاجرة أمام الأبناء لما لذلك من سلبيات عديدة.