حينما يمسك الإنسان بالقلم ليكتب رثاءً لقريب أو صديق، فإن اليد تهتز، والقلم يميل يمنة ويسرة غير مستقر في حال؛ حزناً على الفرق؛ فالإنسان يتذكر السنين الماضية، وما تخللها من مواقف وذكريات.. نعم، هذه هي حالي وأنا أمسك القلم لأكتب عن صديق وزميل عز علينا فراقه، هو أخي الحبيب الوافي والزميل المخلص أبوعاصم، الدكتور أحمد بن عبدالله الحسيني (الزغيبي) تذكرتُ المواقف الرجولية والعلاقات الحسنة التي برزت منه لكل قريب أو صديق أو زميل.
فالموت حق، وهو حقيقة نعايشها كل يوم، فكل يوم نودع راحلاً، ونعزي في فقيد، إلا أن فقد المحبين يكون مؤلماً على النفس البشرية.
إن في القلب لوعة، وفي الحلق غصة، وفي العين ألف دمعة لفراقك يا أبا عاصم.
ففي عصر يوم الأحد 13-7-1441هـ وصلني اتصال هاتفي هز كياني، وزلزل وجداني، من ابني سلمان مخبراً ومعزياً في وفاة أبي عاصم، فلا نقول إلا ما قاله ربنا جل في علاه: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
كتب الله الموت على خلقه؛ فالموت حق، والناس يموتون فـ{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، و{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} و{لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
انتقل إلى رحمة الله تعالى بمشيئته وتقديره تاركاً وراءه حزناً كبيراً من معارفه وأقربائه ومحبيه، كلهم فقدوه، وبكوا عليه.. فكم من قريب وزميل وصديق بكاه، فبرحيله اعتصر القلب لوعة وحزناً وحسرة.
فالحمد لله الذي له ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وكل شيء عنده بمقدار، رحمك الله وجزاك عنا خير الجزاء.
فلكل عين حق مدرار الدما
ولكل قلبٍ لوعة وثُبور
ومضى الذي أهوى وجرعني الأسى
وغدَتْ بقلبي جذوة وسعير
قد كنت لا أرضى التباعد برهة
كيف التصبر والبعاد دهور
أبكيك حتى نلتقي في جنة
برياض خُلد زينتها الحور
نعم أبكيك يا أبا عاصم، وقد كثر الباكون، فالقلوب تحزن، والعيون تدمع، ولا نقول بعد ذلك إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (156) سورة البقرة. اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها.
إن من نعم الله تعالى وفضله على الإنسان أن رزقه الله نعمة النسيان، وإلا لما هنئت نفس بعيش، قال أحد السلف، كل شيء يبدو صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة؛ فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر.
وهناك قول مأثور عن توطين النفس على المصائب، فمن أراد البقاء في هذه الدنيا فليوطن نفسه على المصائب، فإنه متى طال عمر الإنسان، وامتدت به الأيام، فلابد أن يلقى منها أوجاعاً مضاعفة من رحيل عزيز حل أجله، أو مرض يخرم جسده، وفي توطين النفس على المصائب قيل في ذلك شعراً:
وما الدهر إلا هكذا فاصبر له
رزية مال أو فراق حبيب
ولا خير فيمن لا يوطن نفسه
على نائبات الدهر حين تنوب
فالمسلم معرض في حياته للنقص في الأموال أو الأنفس، لإظهار ما عليه المرء من قوة إيمان أو ضعف.
وفي حياة الإنسان وقصرها، وأنها لا تدوم لأحد بعد اكتمالها وطيب عيشها وسرورها وحزنها، يقول أبو البقاء الرندي في ذلك شعراً:
لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سرّه زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شان
أقول ذلك وأنا أتذكر القول المأثور: (إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظ من الله وستر).
أتقدم بخالص العزاء وصادق المحبة والمواساة والدعاء إلى أسرته الكريمة، متمثلة بزوجتيه وأبنائه: عاصم وعبدالله، وبناته: نهى، لميس، لمياء، نجلاء، حنان، أنوار، وإخوانه: عبدالعزيز وإبراهيم وخالد، وأخواته: حصة ومنيرة وسارة وهدى ووفاء، وبنت شقيقته: أثير.
داعياً الله العلي القدير أن يغفر له، ويرحمه، ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، والحمد لله على قضائه ورحمته، والحمد لله رب العالمين.
** **
- د. علي بن عبدالرحمن الطيَّار