سمر المقرن
لا كلمة يتزعمها العند وهو الرفض المطلق للأمر والإصرار على ذلك. فالعنيد أحياناً لا يستمع إلا لصوته ظناً منه أنه الوحيد الذي على صواب والباقي مخطئين، وهو ما يظهر جلياً على أطفالنا وبخاصة في سن المراهقة فيظنون أنهم يمتلكون نواصي المعرفة وزمام الصواب، ويفضلون أحياناً الموت غرقاً في محيط المشاكل على أن تنتشلهم أيادي الآخرين ولو كانوا أقرب المقربين إليهم! وإذا كان العند صفة ذميمة، فهناك جانب مضيء من شاطئه، فهو -أحياناً- يولد العلماء والنابغين في كل مجال، الكلام ليس على لساني ولكن كشفت عنه السنوات والتجارب، وللعند أنواع فيه المقبول وغير مقبول، وأشار علماء أن العند قد يتصف به حوالي من 15 إلى 22 بالمائة من الأطفال، وأحيانا يفشل الآباء في التعامل مع عقول صغارهم فيتولد لديهم إحباطاً شديداً فيلجؤون لمزيد من العند الذي يجب ألا نواجهه بالتعنيف والأذى، فقد يكون بمثابة جهاز كشف مخترعي ومفكري ونوابغ المستقبل.. حيث أطلعت على دراسة علمية صادرة عن جامعة هارفارد الأمريكية تبين فيها أن العند يكون أحياناً مؤشراً إيجابياً للتفوق والنبوغ، ويغرس بذور علماء كبار يغيرون وجه العالم مثلما حدث مع العالمين (أديسون) و(نيوتن) اللذين كانا في طفولتهما يتصفان بالعند أمام الأوامر غير المفيدة ولا المستحبة من وجهة نظرهما.
عموم القول من وجهة نظري الخاصة، أن الأطفال الذين اعتادوا على قول كلمة (لا) هم الأكثر نجاحاً في المستقبل، حيث تنمو بداخلهم روح التحدي والإصرار وعدم القبول بأي أراء دون مراجعتها وتفحصها جيداً. ويتميزون أيضاً بالتحصيل الدراسي والعلمي الجيد والتفوق مقارنة بأقرانهم.
من هنا أرى من المهم أن يتريث الآباء كثيراً وعدم الإتيان بأفعال قد تحبط من عزيمة علماء المستقبل واستبدالها بالحجة والنقاش مع أطفالهم حتى يُقنع أحد الطرفين الأخر، فإذا انتصر أطفالهم في المناظرة يجب على الآباء تنمية الصفات الجيدة لديهم ومنحهم حرية التصرف ومراقبتهم عن بعد، فليس بالضرورة أن يكون دائماً الآباء على صواب والأبناء مخطئين، لأن كثير من هؤلاء الأطفال يتصفون بالذكاء الخارق والإرادة الحديدية والثقة بالنفس والاعتماد على الذات والانخراط بسهولة مع الكبار. أما العناد غير المقبول فهو المتعلق بالإصرار على الخطأ الواضح البيّن، وهذا هو ما يجب مواجهته بالعقاب غير المؤذي ولا المهين.. لذا فإن ما بين العناد المقبول وغير المقبول «شعرة» فاصلة لا تكون واضحة عند الجميع!.