د.ثريا العريض
يأتي حوارنا اليوم في الثاني والعشرين من شهر مارس.
وأمس حلَّ الواحد والعشرون من مارس؛ فعليًّا أول أيام الربيع، وبداية العام رسميًّا في كثير من المجتمعات التي تعتمد دورة الطّبيعة منتظمة متكرِّرة عامًا بعد عام، الربيع فالصيف فالخريف فالشِّتاء. تكتمل الدورة لتعود الحياة منبثقة من جديد في براعم الربيع.
و21 مارس هو أيضًا اليوم الذي اختاره عالمنا العربي موعدًا للاحتفاء بالأم..
فكل عام وكل أم بخير وكل جدة بخير.
ولكن يومًا واحدًا في العام لا يكفي للتعبير عن حبنا لأمهاتنا.
هن الأرحام التي احتوت بذرة ذواتنا وقت التكون في عمقها ورعتها وحمتها حتى تكونت قادرة على الحياة ككيانات منفصلة. وواصلت رعايتها وتغذيتها حتى بعد إنجابها وانفصالها جسديًا.
يظل الرابط الروحي حيًّا مدى الحياة وما بعد استدعاء الله لها.
في ديننا القويم كل يوم هو يوم الاحتفاء بالوالدين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. وكل يوم هو يوم الاحتفاء بالأم، وتذكر وضوح الأمر في الكلام الشريف: «أمك.. أمك.. أمك.. ثمَّ أباك».
الحرمان الأشدُّ هو الحرمان من دفء حنان الأم.
كم أحببتك يا أمي!
وما زلت أحبك منذ تعلَّمت أن أميِّز معنى الدفء وصدق الحنان.
في كلِّ «عيد الأم» يستجد، تتذكَّرني بناتي باحتفاء عودنني عليه منذ كن في الرَّوْضة والمدرسة الابتدائية تعلَّمهن المدرِّسة كيف يرسمن زهورًا وفراشات على بطاقة طفولية يلوِّنَّها بأيديهن ويسجِّلنَّ عليها تحيًّة بريئة احتفالاً بالمناسبة.
كبرت صغيراتي، وصار بإمكانهن أن يقدِّمن هدية غير البطاقات الطفولية الملوَّنة التي ما زلت احتفظ بها فخورة بالشخبطات الطفولية التي أبدعنها فيها. هذا العام حالت بيننا الأوضاع غير المقدور عليها؛ أجواء وباء الكورونا المستجد والتحذيرات وتعليمات الحظر ونصيحتي لهن بتجنّب السفر جوًّا، فلم نستطع أن نجتمع واكتفينا بالتهاتف؛ كلٌّ من المدينة التي تعمل بها بعيدًا عني.
شخصيًّا ليس فقط في يوم الواحد والعشرين من مارس أحتفي بذكرى أمي - رحمها الله. أتذكّرها في كل الأيام، تلك المفعمة بحلاوة السعادة بالنجاح، وتلك التي أحتاج فيها صدرًا حنونًا يشاركني مرارة الألم أو ملوحة الحزن, أو عتمة الوحدة أو ضعف المرض. أتذكّرها يوميًّا بحنين لن يمكن أن يرويه لقاء يحمل لي دفء أحضانها.
أحبوا أمَّهاتكم كثيرًا.. وأنتم ما زلتم حظيظين بقدرة شم طيبهن عن قُرْب ورؤية ابتساماتهن وسماع أصواتهن وتقبيل أيديهن. أحبوهن كل يوم.