د. محمد عبدالله الخازم
هذه قصة معروفة، نكرر استخدامها وكتابتها مرات عديدة، لكن لا بأس فاحتمالية تنوّع قرائنا ومتابعينا من طلاب وزملاء واردة بشكل كبير، فلنعد روايتها. أحضر خمسة قرود، وضعها في قفص وعلَّق في منتصف القفص حزمة موز، وضع تحتها سلّماً. بعد مدة قصيرة ستجد أن قرداً ما من المجموعة سيعتلي السلم محاولاً الوصول إلى الموز. ما إن يضع يده على الموز، أطلق رشاشاً من الماء البارد على القردة الأربعة الباقين وأرعبهم!
بعد قليل سيحاول قرد آخر أن يعتلي نفس السلم ليصل إلى الموز، كرَّر نفس العملية، رش القردة الباقين بالماء البارد. كرَّر العملية أكثر من مرة!
بعد فترة ستجد أنه ما إن يحاول أي قرد أن يعتلي السلم للوصول إلى الموز ستمنعه المجموعة خوفاً من الماء البارد. الآن، أبعد الماء البارد، وأخرج قرداً من الخمسة إلى خارج القفص وضع مكانه قرداً جديداً (لنسمّه سعدان) لم يعاصر ولم يشاهد رش الماء البارد. سرعان ما سيذهب سعدان إلى السلم لقطف الموز، حينها ستهب مجموعة القردة المرعوبة من الماء البارد لمنعه وستهاجمه.
بعد أكثر من محاولة سيتعلَّم سعدان أنه إن حاول قطف الموز سينال (علقة قرداتية) من باقي أفراد المجموعة. الآن أخرج قرداً آخر ممن عاصروا حوادث رش الماء البارد (غير القرد سعدان)، وأدخل قرداً جديداً عوضاً عنه. ستجد أن نفس المشهد السابق سيتكرَّر من جديد. القرد الجديد يذهب إلى الموز، والقردة الباقية تنهال عليه ضرباً لمنعه. بما فيها سعدان على الرغم من أنه لم يعاصر رش الماء، ولا يدري لماذا ضربوه في السابق، كل ما هنالك أنه تعلَّم أن لمس الموز يعني (علقة) على يد المجموعة لذلك ستجده يشارك، ربما بحماس أكثر من غيره بكيل اللكمات والصفعات للقرد الجديد (ربما تعويضاً عن حرقة قلبه حين ضربوه هو أيضاً). استمر بتكرار نفس الموضوع، أخرج قرداً ممن عاصروا حوادث رش الماء، وضع قرداً جديداً، وسيتكرَّر نفس الموقف.
كرر هذا الأمر إلى أن تستبدل كل المجموعة القديمة ممن تعرضوا لرش الماء بقرود جديدة! في النهاية ستجد أن القردة ستستمر تنهال ضرباً على كل من يجرؤ على الاقتراب من السلم. لماذا؟ لا أحد منهم يدري، وإنما هم دربوا على ذلك!
هذه القصة يتم تداولها ليس على سبيل الدعابة، وإنما كدرس يردده خبراء التدريب من باب التحفيز على نقد الممارسات القائمة بشكل موضوعي وعدم الاكتفاء بمجرد تقليد أنماط سائدة دون وعي بخلفيتها الثقافية والتاريخية والاجتماعية والإدارية. طبعاً لا يعني ذلك هدم الممارسات القائمة والناجحة أو القيم لمجرد التغيير ولا يعني التعميم على الجميع بأنهم يتبعون هذا الأسلوب، لكنه يعني الوعي بأسئلة مهمة في حياتنا، على مختلف المستويات؛ كم هي الأمور التي نقوم بها في حياتنا، ولا نجرؤ على السؤال: لماذا نؤديها بهذه الطريقة؟ ولا نسأل عن السبب الذي جعل من قبلنا يؤديها بهذه الطريقة؟ كم نحن نقوم بفعل مشابه لما تقوم به القردة أعلاه، في كثير من أمور حياتنا؟