مها محمد الشريف
يؤكِّد التوزيع المتدرِّج في سائر المجتمع السكاني في العالم حجم الإصابات بعدوى الوباء الذي انتشر بسرعة تفوق إدراك البشر، وتعرَّض الناس لفصل جديد تماماً، ولم يوضع في حسبان الجميع عودة الأوبئة في عصر التقنيات والحياة الرقمية مما أشعر العالم بصدمة لكونها فرضية مستحيلة، ولكن سرعة الانتشار جعلت منهم عدادات تحصي الأعداد المتصاعدة للمصابين.
وتم الإقرار والاعتراف بفيروس كورونا المستجد، واتضحت استعدادات الدول وتهيئة الخدمات الصحية لمواجهة الوباء والعناية بالمصابين وتحديد الأعداد المصابة، والوفيات، والعدد الذي لم يلتزم بالتعليمات والإرشادات للحد من انتشار الفيروس على مستوى المجتمع بأسره، وتوظيف وسائل الإعلام لتهدئة الأحاديث المرعبة التي تدور في كل مكان عن خطر وضحايا الفيروس، وما صاحبها من تغيّرات ستشهدها العادات والثقافات بعد وباء كورونا المستجد.
من هنا، يصبح السؤال التالي هو: لماذا الأزمات مهما كانت مأساوية لها جوانب إيجابية كبيرة؟ فتلك مزية نفيسة لم نتوقعها، فقد صنعت مجتمعات جديدة تنظر إلى الواقع بمنظار مختلف لم يعهدوه من قبل بمؤلفات جديدة بعد الخروج من هذا المضمار العسير بوعي مستنير ودراسات كافية يثيرها الدنو من الغاية التي تزمع بلوغها، بأن يصبح الناس جميعاً يقظين متحرّرين من الاضطرابات المدنية المحزنة، بل ترمي إلى أدوات تكون أكمل كلما صلحت أهدافها، فليست إذاً دستوراً أو تشريعاً يُعمم، بل هو تكافؤ عجيب بين دول العالم أسمي غايته رعاية وحماية مواطنيه بلا استثناء وبلا قيد.
ما من شك أن الأزمة صادمة وقد تعطَّلت اقتصادات العالم ولها انعكاس سلبي على أسواق النفط وانهيار البورصة وول استريت وتراجع كبير في أسواق الأسهم، وكذلك إغلاق معظم دول العالم حدودها الجوية والبرية والبحرية، وبذلك سترتفع نسبة البطالة إلى أعلى درجاتها، حسب منظمة العمل الدولية: بأن 25 مليون وظيفة في العالم مهدَّدة بسبب كورونا وسيخسر الناتج الإجمالي العالمي نحو 2 تريليون دولار.
وقالت الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو ما يُعرف بالأونكتاد: «إن اقتصاد أوروبا هش وسيتأثر بهذا الفيروس تأثيراً كبيراً»، ولكن مهما أوحت الصورة القاتمة بسبب تداعيات الفيروس على العالم، لن يكون بالضرورة القصوى التي ستبقى، بل إن التدابير التحوطية ستضفي تحسينات واسعة في قطاعاتها الصحية والقطاعات الأخرى وستزيد حجم الانتباه بدرجة ملحوظة للبيئة العالمية ويتشكَّل من الصحة والمرض مدى واسع من العوامل المحددة لهما، تتراوح ما بين الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ونمط حياة الفرد والعوامل المحيطة به.
ونظراً لكل المتغيِّرات بعد هذه المعركة مع الفيروسات وتشخيص حالات العدوى والعمل على علاجها بالكيفية التي تتناسب مع هذا النوع من الفيروسات والتطورات التقنية اليوم، سيتغيَّر هذا النمط الحياتي المحفوف بالمخاطر، وينتج عنه آلية جديدة تستعين بأسلوب مختلف تضيء أمام الناس الطريق حتى تفهم جيداً طبيعة المرض، ويمكن تفسير الأحداث تفسيراً منطقياً.
وتجاوز المصادفات الخارجة عن إرادة الإنسان، فإننا سنلخص هذه المعطيات بهذا المقتضى وما سيكون عليه العمل والتعليم عن بعد، وسيتطور أكثر ويكون الاهتمام به يؤدي إلى نتائج مبهرة، ومعه بلا شك ستتغيّر طرق واستخدامات الذكاء الاصطناعي وتطوير العلاج بوقت قصير واتجاهات العلم والاقتصاد وثقافة المجتمعات في الغذاء والنظافة، والرعاية والعناية الفائقة التي تساهم في تطوير التقنيات أكثر لدى الشعوب، وسنرى أن ما حلَّ بالعالم من ضرر ينتج تجميعاً للأحداث وتسلسلاً مدهشاً ارتبط بالتاريخ في ظروف مختلفة.