د. خالد عبدالله الخميس
من المعلوم تراثيًّا وتاريخيًّا أن هذه (1234567890) أرقام عربية أصيلة، وأن هذه الأرقام (1234567890) هي أرقام هندية. ولو فتحت أي قاموس إنجليزي، وكتبت Arabic Numbers، لأعطاك تلك الأرقام (1234567890). ورغم أن الغرب والشرق، والعرب والعجم، يجمعون على أن هذه الأرقام هي أرقام عربية إلا أن الغريب في هذا كله أننا كعرب نستخدم الأرقام الهندية جهلاً منا أنها عربية. ويأتي هذا الاستخدام بسبب ما ورثته لنا الدولة العثمانية حينما كانت متسيدة على البلاد العربية لسبعة قرون، وكانت الدولة العثمانية حينها تستخدم تلك الأرقام، وانتشر العمل بتلك الأرقام في أصقاع البلاد العربية، بما في ذلك مصر والشام والعراق والجزيرة العربية.
ولو رجعنا للخطابات والوثائق العثمانية لوجدنا أن لغتهم التركية مكتوبة بالأحرف العربية، وأن أرقامهم مكتوبة بالأرقام الهندية.
والآن مرَّ على سقوط الدولة العثمانية مائة عام، لكننا - للأسف - ما زلنا على الإرث القديم رغم تحرُّر بعض دول المغرب العربي من قبضتها.
ولا يقتصر مميزات الأرقام العربية على الهندية بكونها امتدادًا لإرثنا العربي الأصيل، وتمسكنا بتراثنا وثقافتنا وهويتنا، بل إن هندسة تلك الأرقام لها دلالة علمية ذكية؛ إذ إنها تتخذ من عدد الزوايا أساسًا في رسم قيمة العدد؛ فالواحد له زاوية واحدة، والاثنان لو زاويتان.. وهكذا. وأكثر من هذا أن أشكالها هي الأجمل رسمًا، والأكثر وضوحًا، خذ مثلاً: كتابة الصفر الذي يعبَّر عنه في الأرقام الهندية بالنقطة 0، وفي الأرقام العربية بالدائرة 0، قارن بين الشكلين فستجد الفارق في الوضوحية كبيرًا، وكبيرًا جدًّا؛ لذا فكثيرًا ما يلتبس علينا رقم الصفر الهندي، وخصوصًا في أرقام التلفونات وأرقام السيارات.
إن تلك المميزات التي تمتاز بها أرقامنا العربية هي ما جعل تلك الأرقام تفرض وجودها على العالم أجمع حتى أصبحت هي الأرقام الأكثر استخدامًا في العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا استمر حالنا كعرب على وضعية الأرقام الهندية؟ ولماذا تأخرنا في تغيير شكل أرقامنا للصيغة العربية الأصيلة والجميلة؟
إن الالتصاق بالإرث القديم، والخوف من التغيير، هما اللذان أبقيانا في دائرة الجمود. وإنَّ تحقُّق الانفكاك من الإرث القديم، وتحررنا من الأرقام الهندية، لا يحتاج إلا لقرار عروبي جريء، يتم من خلاله التعديل دون أن يأبه لأصوات المثبطين، أو يُلتفت لرأي المتجمدين.
إن الذين يقولون باستحالة التغيير يجهلون أن الأتراك بقيادة أتاتورك لم يغيروا الأرقام الهندية فحسب، بل غيروا حتى الأحرف العربية، كل هذا حصل بمجرد جرة قلم، وبقرار تركي (فرمان) إبان سقوط الدولة العثمانية.
إن أبلغ توصيف لحال العثمانيين حينما غيّروا شكل أرقامهم، وتركونا على الوضعية القديمة، هو المثل القائل «رمتني بدائها وانسلت». لقد انتقلوا بسلاسة للأرقام العربية الأصيلة، وتركونا متمسكين بأرقام هندية.
إنه إضافة للميزات البديعة للأرقام العربية فهناك مكاسب سنجنيها من هذا التغيير؛ فلا نحتاج -مثلاً- إلى أن نعمل ازدواجية في ترجمة الأرقام، بما في ذلك أرقام الشوارع واللوحات الإرشادية ولوحات السيارات ولوحات مفاتيح الكمبيوترات والأجهزة الذكية.