د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
«كورونا» هذا الاسم عرفه العالم, ودخل دوله بلا إذن, مر بطول الأرض وعرضها من الصين إلى أمريكا, مات على أثره من مات, ومرض من مرض, واهتز اقتصاد العالم, وتوقفت رحلات, واختلت موازين, وتفارق أكثر الناس وتباعدوا بطواعيتهم! حتى طلب رؤساء دول عظمى من شعبهم دعاء الله والصلاة!.. فهل يدرك الإنسان عجزه, وضعفه؟.. وضرورة التجائه إلى ربه؟.. تذكرتُ بعض الآيات التي ابتلى الله بها آل فرعون {الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ}؛ ومع ذلك لم يستكينوا لربهم ولم يتضرعوا.. فالمؤمل من كل مسلم وحتى غير المسلم اللجوء إلى الله وعدم الاستكبار والانقياد لشرعه, تحقيقاً لقوله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ}.
وإننا في هذا البلد المبارك المملكة العربية السعودية لنغبط أنفسنا مما نجده من حرص تام علينا من قِبل حكومتنا, وما نراه واقعاً مشاهداً من الأعمال والقرارات والسياسات الاستباقية والاحترازية للحد من زحف هذا الوباء الجائح -كفه الله عنا بقوته- وما تم اتخاذه من سبل كثيرة من المنظومة الحكومية, وما نجده من حرص تام على توفير الأمن الصحي لكل المواطنين والمقيمين على أرض وطننا لهو أمر يدعو إلى الغبطة. وأني أحمد الله على توفيقه لولاة أمرنا -حرسهم الله-, في المسابقة في إصدار القرارات بعد دراستها, وجعل صحة أهل هذا البلد وسلامتهم في مقدمة الأولويات, ولا نملك إلا الدعاء لهم ولكافة العاملين -جزاهم الله عنا خير الجزاء-. ومما يلزمنا فعله الامتثال للتوجيهات الصادرة من ولي الأمر, وما توجِّه به الجهات المختصة التي قد يكون لا مناص للناس إلا العمل بها وتطبيقها على الوجه المطلوب, وألا يلتفت إلى غير أهل الاختصاص فضلاً عن أهل الأحلام والمنامات, وأن يحمل الأمر على الجد والحزم.
تذكَّر أبو وهب القرطبي -رحمه الله- صديقًا له من الصالحين فقال: ودِدْتُ أن نكون معه الليلة, وكان بجواره رجل من أصحابه: فقال له: وما يمنعنا من ذلك؟ ليست علينا كسْوة نخاف عليها، فاخرج بنا نحوه. فقال أبو وهب: وأين العلم، وهل لنا أن نمشي ليلاً ونحن نعلم أنّ الإمام الذي ملّكه الله أمر المسلمين في هذه البلدة قد منع من المشي ليلاً، وطاعته لنا لازمةٌ؟.. ففي هذا نقضٌ للطاعة, وخروج عمّا يلزم جماعة المسلمين. فعجْبتُ من فقهه فِي ذلك. قلت: رحم الله أبا وهب, خالف هواه وما تريده نفسه تلك الساعة من مجالسة صديقه, فترك الذهاب إليه ليلاً طاعة لولي أمره. وإن مما أرى أهمية التنبيه عليه: إرجاع الأمر إلى أهله, فالشأن يعم الجميع, فلا يصح التشويش على الناس خاصة بإصدار الفتاوى, فضلاً عن التصريحات المثيرة, فإن هناك جهة مخولة بإصدار الفتاوى في الأمور العامة, وهي دار الإفتاء برئاسة سماحة المفتي العام للمملكة -حفظه الله-, وبها لجنة دائمة للإفتاء في عضويتها سماحة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-, و»هيئة كبار العلماء» قد خولها ولي الأمر بإصدار القرارات والفتاوى فيما يخص المجتمع, فعلى طلاب العلم وغيرهم أن يتركوا الأمر لأهله, كما كان سلفهم الصالح, قال هشام بن عروة -رحمه الله-: (ما سمعتُ أبي يقول في شيء قط برأيه, قال: وربما سئل عن الشيء, فيقول: هذا من خالص السلطان).
قال ابن هرمز -رحمه الله-: (أدركت أهل المدينة وما فيها إلا الكتاب والسنة والأمر ينزل فينظر فيه السلطان). ولنعلم جميعاً أن أهل السوء لا تنعم له عين, ولا تستقر لهم نفس, حتى يعملوا ما بوسعهم لضرب هذا الكيان الشامخ ويفسدوا الخير الديني والدنيوي الذي منَّ الله به علينا في هذه البلاد المباركة القائمة على التوحيد والسنة.. فكم حاولوا بشتى الطرق الماكرة والقبيحة لضرب وحدتنا, وتمزيق جماعتنا, فلم يستطيعوا ولله الحمد تحقيق مرادهم, فلنكن كما أمرنا الله في لزوم جماعة المسلمين, ولنقف صفاً واحداً مع ولاة أمرنا وعلمائنا. فشكر الله لولاة الأمر حرصهم, وأثاب الله العاملين في كل القطاعات العسكرية والأمنية والصحية والتعليمية وغيرها خير الجزاء.. وأسأل الله أن يكشف السوء عن الأمة كلها برحمته ولطفه وأن يكفينا شر الأوبئة وشر كل ذي شر وأن يلطف بالمسلمين ويصلح أحوالهم.
** **
د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح - المعهد العالي للقضاء