فيصل خالد الخديدي
يعد التعبير عن الذات والحديث في مجال الاختصاص والمعرفة والشأن الثقافي أمراً إيجابياً والحديث به أمام الجمهور يمثل خطاباً يفترض به أن يكون محملاً برسالة ذات محتوى وأهداف, وتتباين أهمية محتوى الرسالة على حسب نبل الهدف وسمو المحتوى وصدق المعلومة, وهي التي تحدد قيمة وأهمية الخطاب ولكي يكون الخطاب مقنعاً لابد وأن يتحلى بالعقلانية في الحقائق والشواهد وعلى قدر كبير من المصداقية في التوجه ومحملاً بالعاطفة التي تؤثر في الجمهور وتلامسه, وتتنوع الخطابات بين جادة وساخرة وثائرة ورصينة وأخرى تافهة, ومع الانفتاح في مواقع التواصل والعشوائية التي أصبحت تسود معظمها, ظهرت عدد من الخطابات التي يشوبها الكثير من التفاهة وأصبحت الأكثر مشاهدة ومتابعة, وهي كما قال عنها الدكتور سعيد السريحي في معرض رده على مقطع لأحد مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي (لم يكن لمثل هذا الصوت الذي يجهل ويجهل أنه يجهل أن يكون متداولاً لولا مواقع التواصل والتي أتاحت للناس أن تتباهى بجهلها), وتكريس مثل هذه الأصوات التي تجهل وتتباهى بجهلها من خلال مواقع التواصل أفرز وعزز ظهور خطاب التفاهة الذي يرى د. ألآن دونو صاحب كتاب (نظام التفاهة) أنه يتكئ على عدة مرتكزات منها اللغة الخشبية وهي لغة جوفاء محملة ببعض الحقائق والتأكيدات المتكررة لذات المعنى الفائضة عن الحاجة بألفاظ مختلفة ولا يضيف عما هو معروف الشيء الجديد, كما ترتكز على التبسيط الخطر والاختزال المخل والذي قال عنه آنشتاين (كل شيء ينبغي أن يكون في أبسط أشكاله, لكن يجب ألا يكون أبسط مما هو عليه).
لم يكن الخطاب التشكيلي المحلي في معزل عن موجة خطاب التفاهة هذا بل طاله الشيء الكثير منها على مستوى خطاب الممارسة والخطاب المنطوق والمقروء, فمواقع التواصل فتحت المجال لمن له علم ولمن لا يعلم بأن يتصدر المشهد وأن يفتي بغير علم في الفن واللافن, فأصبح الأكثر انتشاراً في مواقع التواصل الأكثر فناً ومعرفة ولو كان لا يملك منها الحد الأدنى, بل أصبح التطاول على من يمتلك الكثير من المعرفة والفن ويمارسها وينتجها أمراً مستساغاً بل مطلباً لصناعة اسمه بين الأسماء المؤثرة وهو أمر بالغ السوء ولعل الأمر الأكثر سوءا أن يتصدر الخطاب التافه المحمل بكثير من الجهل والانا وسوء المحتوى وسائل الإعلام الرسمية ليحقق البهرجة والابتذال والشهرة الكاذبة ولكن من خلال قناة حكومية رسمية وهو ما حدث في أحد البرامج التلفزيونية الصباحية على القناة السعودية الأولى التي قدمت أحد الفنانين المحليين على أساس أنه عالمي وصاحب مدرسة فنية وقدم لنا البرنامج في لقائه هذا نموذجاً حقيقياً تنطبق عليه مرتكزات خطاب التفاهة من لغة خشبية قائمة على المغالطة في المعلومة والتكرار في المصطلحات التي تجاوز ذكر بعضها عشرات المرات في لقاء لم يتجاوز الربع ساعة, مروراً باختزال بعض المفاهيم التي في ظاهرها الصحة وباطنها محمل بالتشوه والأخطاء وانتهاء بتضخيم الذات والتغني بها في غفلة من المقدمين وعدم معرفة بكنه الفن الذي يتحدثون عنه, إن عرض مثل هذه اللقاءات المخلة بصورة الفن المحلي وخطابه الرصين الجاد يعتبر تكريساً وترويجاً لخطاب التفاهة وللأسف عبر برنامج في قناة رسمية حكومية.