عبدالمجيد بن محمد العُمري
ويروي الدكتور حمد الماجد مدير المركز الإسلامي في لندن بعضاً من مواقف غازي القصيبي ومساندته له شخصياً ولأعمال المركز، كما أورد قصة طريفة عندما تولى غازي حقيبة الصحة قائلاً: (كان سكرتير الوزير رجلا متديناً، بل من النوع الذي يهوى «النهي عن المنكر» هاتفيا عن طريق التواصل المؤدب مع مسؤولي القطاع الخاص والعام، فالنتيجة المنطقية التي قد يصل إليها بعض المختلفين معه هي أن «ليبرالياً» مثل غازي لن يتحمل «محافظاً» جداً مثل هذا الرجل ولو ليوم واحد، خاصة أنها وظيفة لصيقة به، ومظنة الدخول في أسرار حياته، الذي حدث أن مسؤولاً شرعياً كبيراً بمرتبة وزير طلب من القصيبي الإذن بانتقال هذا الموظف إليه، فرفض غازي، وظل هذا الرجل «الناهي عن المنكر» بجانبه حتى ترك غازي وزارة الصحة، يقول لي سكرتيره «المحتسب»: كان غازي في أسفاره دوما يجمعنا في جناحه لصلاة الجماعة، وهو الذي يوقظنا لصلاة الفجر، وكنت حين أرقبه يتوضأ أشفق عليه من كثرة بلل الماء الذي يصيب غترته وثيابه).
كما يذكر د. أحمد الدبيان مدير المركز الإسلامي في لندن جانباً من فضائله.
فيقول: فاز - رحمه الله - في التسعينات بجائزة أدبية في الكويت. وكان ضمن الجائزة مكافأة مالية، فقال عند تسلم الجائزة إنه ترك هذا المبلغ تبرعا للمركز الثقافي الإسلامي في لندن. وعرفت أنا عن هذا المبلغ بعد سنوات من المدير السابق الأخ الدكتور حمد الماجد، ومضت السنون بعد ذلك، وذات يوم سألت الدكتور غازي عن ذلك، فأخبرني أن المبلغ يستثمر للمركز، ثم دلني - رحمه الله - على المسؤول عن الاستثمار في الكويت، وصار بيني وبين هذا تواصل تركت بعده الأمر رجاء أن يعود ذلك بمال كثير. ثم انتقل الدكتور من بريطانيا وزيراً للمياه. وتقلبت الأحوال، ومرت سنون أخرى حتى جاءت الأزمة المالية فعصفت بما هب ودب من أموال عباد الله، فصار هذا المال أثراً بعد عين!
وفي زيارة الدكتور غازي الأخيرة إلى لندن لم يتيسر لي لقاء به، ولكنني كتبت إليه مداعباً ومذكراً أن المركز الإسلامي صار كالتاجر المفلس الذي بدأ يبحث في دفاتره القديمة ويقلب صفحاتها.. فمرت علي مدة قصيرة وفوجئت ذات صباح باتصال من مكتبه لتحويل مبلغ مالي من عنده بدل المبلغ المفقود، فعجبت أكثر من درجة الالتزام لدى هذا الرجل!!).
لم يكن كتاب القصيبي (حتى لا تكون فتنة) وإن لم نتفق معه في بعض ماطرحه إلا انتقاد لمنهج بعض المشايخ وقد يكون جانب الصواب في ماذكر، ولعل ما يشفع له ويجعل لحسن الظن مكاناً أنه حينما اشتد الخصام مع المشايخ وخرج كتابه الآنف الذكر أورد القصيبي في بعض ردوده عدداً من الأعمال التي تؤكد صدق الانتماء لدينه ووطنه وعمله على تنفيذ عدد من المشروعات الخيرية ومما قاله - رحمه الله -:
جاء والله الجزء البغيض إلى نفسي، الحديث عن نفسي.
هل من دلائل خطورتي على الإسلام إلقائي عشرات المحاضرات عن الإسلام في الغرب يوم كنت أدرس هناك ؟!
وسرد عدداً من الأعمال في سياق رده على هذا التساؤل ومنها:
- إنشاؤه كرسي الملك فيصل رحمه الله للدراسات الإسلامية في جامعة كاليفورنيا.
- سعيه إلى أن يكون كل المستشارين النظاميين في الدولة من خريجي كلية الشريعة عن طريق البرنامج الذي أنشأته في معهد الإدارة العامة.
- قرار إنشاء المسجد الكبير في حي السكة الحديدية بالدمام الذي تم إنشاؤه يوم كان مديراً عاماً لسكة الحديد.
- المساهمة مع جيران الحي في إنشاء مسجد حي الروضة بمدينة الرياض الذي بني بقرب منزله مع عدد من الجيران في مقدمته الأستاذ محمد بن حمد المالك.
- توجيهه بإنشاء مسجد في كل مصنع يوم كان وزيراً للصناعة والكهرباء واهتمامه ومتابعته الشخصية لإيصال الكهرباء إلى مئات المساجد في شرق البلاد وغربها.
- مما يحسب له حرصه على أن يكون القرآن الكريم في متناول يد كل مريض عندما كان وزيراً للصحة.
- مبادرته في إنشاء أول جمعية لرعاية الأطفال المعوقين في المملكة، والمساهمة في إنشاء أول جمعية للبر في الرياض مع الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله.
المساهمة بالمال والجهد في إنشاء عشرات المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية.
-المساهمة بجهد كبير في إنشاء مدرسة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في البحرين، وكذلك إنشاء بيت القرآن في البحرين ويحتوي على مكتبة ومدرسة لتحفيظ القرآن.
-تبرعه بإنشاء ملجأ لأيتام المجاهدين في أفغانستان !!
- أسهم في طباعة ونشر ما لا يقل عن مائتي ألف مصحف لتوزع في أنحاء العالم الإسلامي.
- كان عضواً مؤسساً في مؤسسة الملك فيصل الخيرية، وعضوا نشطاً في كل نشاطاتها الإسلامية !!
- عمم على المستشفيات بالتوجيه بأن تكون الآية الكريمة (وإذا مرضت فهو يشفين) على مرأى من كل مريض!!!
ومما قاله -رحمه الله -هل من دلائل خطورتي على الإسلام أني وجهت بإنشاء مسجد في كل مستشفى عندما كنت وزيراً للصحة؟!! وهل من دلائل خطورتي على الإسلام أني استعنت بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز لتزويد كل مريض بكتب من الأدعية؟! وهل من دلائل خطورتي على الإسلام أني كنت بدعم من سمو الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز أول من سعى لإنشاء مركز الكلى ؟!! وهل من دلائل خطورتي على الإسلام أني شكلت بالتفاهم مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ومع معالي الدكتور رضاء عبيد يوم كان رئيساً للمركز الوطني للأبحاث، (مدينة الملك عبد العزيزالعلمية الآن) لجنة علمية لاستقصاء كل أدوية يوجد فيها الكحول واستبدالها بغيرها وقطعت اللجنة شوطاً بعيداً في ذلك ؟!!
وهل من دلائل خطورتي على الإسلام كل ماقمت به من رحلات وجولات ومهمات في مشارق الأرض ومغاربها كجزء من عملي لدعم كل قضية إسلامية في كل مكان في العالم؟!!
ومع هذا كله لم يسلم غازي من الأذى لا حياً ولا ميتاً، فلقد بلغ الفجور في الخصومة أن كاتباً مجهولاً قال عقب وفاة القصيبي (بالأمس القريب رحل عن عالمنا قلم من هذه الأقلام المنافحة للصهيونية.. الليبرالية.. وداعية من دعاة التغريب غازي القصيبي الذي آذى الإسلام والدعوة) ولا أعلم من هو هذا الكاتب النكرة ولربما أنه ممن أسهموا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين فضلاً على أنه لم يقدم لدينه ذرة مما قام به القصيبي بصفته الشخصية أو الرسمية رحم الله غازي القصيبي وأسكنه فسيح جناته وعفى الله عنا وعنه.
... ... ...
تنويه: ظهرت في الحلقة الماضية علامات استفهام في أحد أجزائها وحقها أن تكون: 1412 للهجرة