د. محمد عبدالله العوين
حين نقارن بين ماض صعب، الحياة فيه متخلفة، والتقدم التقني والطبي معدوم، وحاضر مزدهر حافل بالإنجازات الطبية والعلمية؛ سنجد أن حظ الإنسان مع أوبئة هذا العصر على الرغم من تعددها وتطور جيناتها أفضل بكثير من حظه مع أوبئة عصور سلفت.
لقد مر بأجدادنا في القرن الماضي كوارث وأوبئة شتى، ومسهم فقر ومسغبة راح ضحية ذلك عشرات الألوف في معظم أنحاء الجزيرة العربية، واستمرت ولم تتوقف.
مرت بأجدادنا سنة (الجوع) 1327هـ - 1909م، حيث عمَّ الجوع واشتدت الحاجة إلى الطعام في جميع أنحاء نجد، فمات كثيرون جوعاً؛ وبخاصة الأطفال، واضطر الناس إلى أكل الجيف النافقة والأعشاب الجافة والجلود والعظام ونوى التمر والخوخ بعد طحنها والنعال والأحذية المصنوعة من الجلود بعد طبخها.
وعرف 1330هـ - 1912م بأنه عام الحصبة، حيث قتل فيه ذلك المرض آلافاً من أهل نجد؛ وبخاصة الأطفال في سنواتهم الأولى.
أما سنة 1337هـ - 1918م فلا يمكن أن تنسى من الذاكرة التاريخية؛ تلك التي عُرفت بـ(سنة الرحمة)، حيث عمَّت في أشهرها الثلاثة الأولى الإنفلونزا الإسبانية معظم أنحاء الجزيرة، وهلك مئات الآلاف من سكانها، وامتد الوباء إلى قارات العالم.
وفي 1340هـ - 1922م انتشر الجرب في مناطق مختلفة من نجد فأصاب الإنسان والحيوان، ولم يكتشف آنذاك مصل يقي الناس شره.
وفي سنة 1360هـ انتشر (السعال الديكي) وعُرفت بسنة (الشهاقة) لأن الأطفال أصيبوا فيها بحالة من السعال المصحوب بشهيق وضيق في التنفس.
وفي 1376هـ نزلت أمطار غزيرة على عموم نجد طوال عشرين يوماً لم ير الناس فيها الشمس مع ديمة مستمرة سقطت على أثرها البيوت المبنية من الطين ولجؤوا إلى المغارات في الجبال، وعرفت تلك السنة بسنة (الهدام).
ومما ساعد على بطء انتشار تلك الأوبئة ضعف حركة المواصلات بين البشر؛ فلا طائرات وتجارة وسياحة وتواصل الإنسان مع الإنسان في كل قارات الدنيا كاليوم.
ومما ساعد على شدة وطأة فتك تلك الأوبئة ضعف الكفاءة الطبية وعدم اكتشاف أمصال وقائية أو علاجات تشفي أو تخفف آلام الأمراض.
ولو أردنا الموازنة بين الماضي والحاضر باستثناء الكوارث الطبيعية كالسيول والزلازل والجدب ونحوه؛ لوجدنا أن كثيراً من الأمراض تنتجها البيئة التي يعيش فيها الإنسان، بينما نجد أوبئة اليوم تتخلَّق بسبب أخطاء الإنسان نفسه؛ كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى على سبيل المثال، حين انتشرت الإنفلونزا الوافدة الإسبانية، بسبب كثرة الجثث في أوروبا بعد الحرب، أو الأمراض الخبيثة التي ازداد انتشارها بعد حرب الخليج الثانية، أو وباء إنفلونزا كورونا الذي نشأ بسبب أكل الحيوانات والزواحف والطيور المحرَّمة، بالإضافة إلى انعدام النظافة في مسالخ تلك الحيوانات والحشرات والزواحف.
ومع التقدّم الطبي والوعي الصحي وقوة وسائط التواصل يستطيع الإنسان السيطرة على انتشار أي وباء كما حدث في التجربة الصينية المبهرة.
لكن الوقاية بتجنب الأخطاء القاتلة خير من الاجتهاد في البحث عن مصل أو أدوية لعلاج المرض.