خالد الربيعان
وسط هذا الرعب والهلع الذي نعيشه، تفكيري ذهب بي لحقيقة مهمة لا يجب أن تغيب عنَّا هنا في هذه اللحظات بالذات، أنه « في كل عسر فهناك يسر»، وأن اللطف من الله يأتي مع القدر، متلازمًا معه، لا ينفكان أبداً.
ما الحكمة من كل هذا؟ ربما عقاب للبعض، ابتلاء واختبار للبعض الآخر، لفت نظر للناجين، التذكير بأن العبد عبد، والرب رب، إن الإنسان خلق من ضَعف، أن ندع التنابز والتناحر لأنه ليس هناك علة من الحرب بين الدول، بل هو جنون.
في آخر اللحظات - إذا اعتبرناها كذلك - ما تزال حروب التصريحات بين وزراء الخارجية، ورؤساء الأركان، واتهامات من هنا لهناك بأنكم كذا، وردود بل أنت الـ كذا! شيء عجيب في النفس البشرية لا أفهمه، أليس من الواجب هنا التواصل بمودة ونبذ الخلافات مهما كانت، والاتحاد أمام موت محتمَل يحمله وباء مؤلَّف من كائنات لا نراها!
تأثرت من شيء آخر.. الجمال في هذا العالم لا يفارقه أبداً، حتى في أحلك الظروف، شاهدت الشعب الإيطالي الجميل يغني من النوافذ النشيد الوطني الجميل الذي كنت أحبه لحنه عندما يغنيه مالديني وكانافارو وجاتوزو ودل بييرو وانزاجي في الملعب، شاء القدر أن أراه على مستوى «شعبي»! الإيطاليون بصوت عال: نحن مستعدون للموت، إذا نادتنا إيطاليا، تلاصقوا جيداً، سنتحد بمشيئة الله، وساعتها من سيستطيع هزيمتنا، (إل كانتو ديللي ايتالياني) سيصمد ما بقى إيطالي واحد!
بعضهم يعزف على جيتار، يدخنون ويأكلون ويشربون، أصواتهم جميلة، متفائلة، متناغمة، باسمة، مبهجة.. جداً! أحسد الشعب الإيطالي على روحه! الجرينتا معهم، ملازمة لهم، ليست داخل الملعب فقط بل في داخل روح كل إيطالي.
المصريون، الضحك والسخرية! شيء غير طبيعي، شعب يعاني من آلاف السنين، حتى أصبح محصناً، بسخريته، باستهزائه -المحمود- بأي خطر، يواجهون كل شيء بمبدأ «هي حصل إيه أكتر مما حصل»!، أمركم عجيب أيها المصريون!
الإنسانية! نعم تحسها بكثافة، الخطر أجلسنا بمفردنا، وجعلنا نراقب الآخر أكثر، ربط بين الشعوب وبعضها، خاصة على السوشيال ميديا، عندما ترى الأردني يضع صورة مضحكة لمحلل تحكيمي في استديو شهير وقد توقفت كرة القدم فأخذ يحلل طريقة عمل أحد الطباخين المشاهير «ووضع الملح قبل ورق عنب».
يدخل سعودي ضاحكاً ويضع صورة مثلها لابوتريكة يقول «الملح عزيزي ركيزة أساسية»، عاصفة من الضحك، تتوالي الردود من مغربي وتونسي وليبي وعراقي وسوري ومصري وسوداني، فتجد تعليقات بصورة يوسف سيف، والمعلق رؤوف خليف، عصام الشوالي ومشاهير من الإعلام الرياضي.. شيء جميل!
في الأخير.. لابد من قول أشياء عدة مهمة، مني أنا خالد الربيعان، لك عزيزي القارئ: فما تدري نفس ماذا تكسب غدًا:
الأعرابي الذكي قال يا رسول الله صلى الله عليك إذا متنا فمن سيحاسبنا، قال: الله، قال الأعرابي «نجونا ورب الكعبة، إن الكريم إذا قدر عفى»، التفاؤل وحسن الظن بالله، عبادة لا يقدر عليها إلا أصحاب الهمم وذوو الألباب، انتظار الفرج، من خصال الأنبياء وكمل الرجال.
الكلمة الطيبة وسط هذه الظروف صدقة، بل هي من أكبرها في الظروف العادية! فما الحال الآن، لا تستهن بالتأثر النفسي للأشخاص حولك، كل على حسب بيئته وصحته النفسية ومزاجه وشخصيته وعلمه وإحاطته بالأمور وكيفية رؤيته لما حولنا، وهي رؤية حتماً تختلف عن رؤيتك، فالعون الأهم هنا هو الأخذ بمعنويات بعضنا بعضاً.
وأخيراً، ليس الخطر في الوباء الفيروسي بقدر الخطر من وباء الشائعات!، لا تصدق أي شيء إلا بعد التأكد منه بدقة، شيء خطير، الشائعات هي «أفكار» يتم زرعها بالعقول، تتحول لتصرفات، تجدها في الازدحام على السلع في المراكز الغذائية، في الشراء المرضي للكمامات بينما هناك آخرون يبحثون عن واحدة، تجدها في تصرفات بشرية لا يقودها سوى هلع وأوهام.. ناتجة عن أفكار.. مصدرها شائعات!
مُخْتَتَم
إِذا عَقَدَ القَضاءُ عَلَيكَ أَمراً... فَلَيسَ يَحُلُّهُ إِلّا القَضاءُ
***
إِذا النائِباتُ بَلَغنَ المَدى
وَكادَت تَذوبُ لَهُنَّ المُهَج
وَحَلَّ البَلاءُ وَبانَ العَزاءُ
فَعِندَ التَناهي يَكونُ الفَرَج.
***
وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ
يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ
وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ
فَفَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ
إذا ضاقَت بِكَ الأحوال يَوماً
فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ.
(الإمام علي بن أبي طالب).
توقفت كرة القدم، وجمهورها العربي لا يزال يعشقها ويحارب بها خطرًا عالميًا داهمًا!