مها محمد الشريف
بعد إحصاءات وباء كورونا المستجد ازداد حجم الانتباه بدرجة ملحوظة للبيئة العالمية، وكذلك مزيج من التنمّر وموجات من الغضب لكل ذوي الملامح الشرق آسيوية، والتي تصل إلى حد العنصرية، في خلط واضح بين المكان الذي انتشر منه الفيروس وهو الصين، وكل من هو صيني، أو يحمل ملامح آسيوية، ونشرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية بأن هناك قلقاً متزايداً في ألمانيا بسبب الخوف من انتقال العدوى لهم، خاصة بعد تسجيل أكثر من 2000 حالة مصابة بالفيروس منهم أعداد متزايدة في ولاية «بافاريا» الألمانية، مما جعل المجتمع الألماني مذعوراً ويبتعد عن كل شيء له أصل شرق آسيوي.
وقصص ومشاهدات أخرى نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام يرويها صينيون في فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا ولبنان، حيث تؤكّد أن الخوف من العدوى أدى لتفشّي العنصرية والتنمّر في الشارع الألماني، ولم تقتصر تلك الحوادث على فرنسا، إذ تناقل مغرِّدون في كندا ونيوزلندا تقارير تفيد بتعرّض أطفال من أصول آسيوية للتنمّر في المدارس، لدرجة أن الكثيرين يعتقدون أن فيروس كورونا قد أصاب جميع الآسيويين في العالم في وقت واحد.
وما يزيد من تعقد الأمور أن العديد من تعريفات المرض تتطور ومعدلات الخطر ومعدلات النجاح إجراء وقائي غير علاجي، والمرض لا يزال يتغيّر، ولكن قد يصل الأمر إلى حدوث تغييرات جوهرية تواكب التطورات البيولوجية والطبية في الدول المتقدّمة لصنع لقاح أو علاج للقضاء على الفيروس، وفي هذه الأثناء، نتذكّر لقطات من الماضي في «علم الأوبئة» للمؤلّف «رودولفو ساراتشي»، الذي ذكر فيه، بأن تطور علوم الأوبئة المعاصر خاصة خلال النصف الثاني من القرن المنصرم، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، صار من الواضح أنه في معظم البلدان المتقدِّمة اقتصادياً، يزداد عبء الأمراض التي لا تنتقل عن طريق العدوى والتي تكون غير معلومة المصدر، كالسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكر، مقارنة بعبء الأمراض المعدية التي تتسبب فيها الكائنات الدقيقة والتي يسهل السيطرة عليها من خلال اتخاذ التدابير الصحية العامة بعمل اللقاحات والعلاج بالمضادات الحيوية.
ومن الأمور المألوفة أن يضم المجال الرئيسي لعلم الأوبئة جميع جوانب الصحة عند دراستها على مستوى المجتمعات السكانية التي ظهرت منذ أكثر من ألفي عام مضت، والذي يخبرنا المؤلّف في كتابه عن واحداً من فيروسات عائلة كورونا الفيروسية «سارس» الذي انتقل ليصيب الإنسان آتياً من الحيوانات البرية الصغيرة التي يجري تناولها كطعام في مقاطعة جوانجدونج الصينية الذي اجتاح الصين في يوليو عام 2003 واتخذت التدابير بعزل المصابين كما هو الحال اليوم.
فهناك من تساورهم الريبة من انتشار الوباء من ذات البلاد فيبحث في كتب التاريخ عن مصدره وعن الفترة الزمنية التي انتشرت فيها الأوبئة القديمة ومنها وباء سارس وكيف كانت الآلية القديمة في مكافحته، وكيف عملت السلطات الصينية تجاه الوباء السابق وكيف حالهم مع الوباء الجديد، وما ترتب عليه من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بيد أن التفكير الواعي كاف، بوصفه يميز عقل الإنسان بالأهمية، ليدرك أن الأوبئة لا تصيب المجتمعات بصحتها البدنية، بل تترك آثاراً اجتماعية ضارة ومن أبرزها العنصرية تجاه مناطق بؤرة العدوى سواء داخل الدولة نفسها أو من العالم من ناحية نظرة الشعوب لتلك الدولة، وهو ما كان متروكاً فيما مضى، ولم يتم التعامل معه بالشكل الكافي وظل يرافق العوامل المشوشة في قائمة الانحيازات.