أبدأ هذا المقال بسؤال لا أعتقد أن البعض يضعه في قائمة الأسئلة المُلحِّة التي تراوده بين الحين والآخر، هل صحيح أن العمر مجرد رقم؟
إنها الجملة الأسرع انتشاراً في أوساطنا نحن النساء، وكأنها مجاملة لطيفة تعزي إحدانا بها الأخرى، وتفتح لها باباً ممتلئ بالأعذار أمام خيارات الحياة، فمع هذه الجملة تستطيع المرأة تجربة أشياء جديدة، وتستدرك ما فاتها من المتع.
المثير دائماً بالنسبة لي أن هذه الجملة لصيقة تقريباً بعمر الأربعين، ولا أكاد أجد من يستخدمها لفتاة العشرين، لأنها حتماً مليئة بالحياة، ولو فشلت في أي خيار أو خطوة قامت بها، لأنّبها من حولها بجمل أخرى، تدور حول معنى،» أنت لست صغيرة»، «أنت امرأة ناضجة».
ومن المفارقات المضحكة أن هذا اللوم الملقى على عاتق العمر، يضمحل تدريجياً باقتراب الأربعين، وتصبح الاعتبارات بعيدة كل البعد عن العمر الزمني، ماذا لو طرحنا هذه السؤال بشكل أدق وأكثر علمية، هل العمر مجرد رقم؟
سأستهل بمعدل الأيض الذي يتباطأ كل عام، وتلك التجاعيد التي تقتحم الوجوه وتأخذ الخلايا الميتة على البشرة وقتاً أطول لتتجدد، وتبدأ مسامات العظام بالتوسع، والرحم سيعلن قريباً اعتزال دوره في الإنجاب.
أما على المستوى النفسي فيجتاح الندم على عدم تحقيق الأهداف المراكز العليا في الشعور، وتبدأ أزمة منتصف العمر تظهر في أشكال عديدة.
الجميل في ذلك أن كل ما ذكر قد تتحكم المرأة في تأخيره، بعدة تقنيات منها الرياضة والحمية، وبعض التدخلات الطبية التجميلية، لكن ماذا عن المميزات التي تحصل عليها المرأة في المقابل مع التقدم في العمر.
الحقيقة العلمية مؤخراً تبين تميز الفرد مع التقدم بالعمر فيما يسمى تبلور الذكاء، أي أن لديه خبرات وتجارب تكاد تكون ثروة في كل المجالات العملية والحياتية والعائلية، المرأة تكتنز بالخيرات يوماً بعد يوم.
كما أن المهارات اللفظية والكلامية وتفهم المشاعر في ازدياد، والدقة والإتقان التي تكون سراً مجيداً وراء الكثير من الأعمال الإدارية والحرفية تبرع فيها المرأة كلما تقدمت في العمر.
تحتاج المرأة إلى التكيف مع التغيرات الفسيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تمر بها، وتحاول تعديلها إن أمكن ذلك، والأجمل هو التقبل للمرحلة العمرية التي تمر بها، بدلاً من التصابي وتبرير التصرفات غير اللائقة بجملة «العمر مجرد رقم»، وتستمتع بعمرها وفنها وخبرتها وعطائها الذي ينضح ويزداد نوراً بشكل طردي مع العمر.