ياسر صالح البهيجان
ليس هناك أجمل من مدينة تأسرك بحدائقها العامة النابضة بمختلف أنواع الأزهار، وطرقها الحافلة بالأشجار ذات الظلال الوارفة. تشعركَ أن وهج الحياة يشع منها أينما يمَّمت وجهك. يتجدَّد نشاطك عندما تمتلئ رئتاك بنسيم خضرتها المحيطة بك. هذه مواصفات المدينة الصديقة للإنسان قبل أن تكون صديقة للبيئة. مدينة خضراء تحفّز السكان على ممارسة الرياضة، وتزيد من طاقتهم الإيجابية، وتسهم في توفير فضاء عام له طابع تشاركي يصنع من المكان هوية وذاكرة.
* * *
* لا تزال خطواتنا نحو تشجير مدننا متثاقلة، رغم أن حجم التحديات الراهنة تفرض علينا تحركًا أكثر سرعة في ظل التقلبات المناخية، وما تحمله معها من رياح مثيرة للأتربة وارتفاع حاد في درجات الحرارة والتي بمقدور التشجير والتزهير المدروس والممنهج أن يسهم في الحد من آثارها السلبية وتلطيف الأجواء. نعم أطلقنا مشاريع واعدة نحو بيئة خضراء، لكن ما نراه ماثلاً للعيان في المدن الكبرى تحديدًا لا يرتقي إلى مستوى التطلعات. لا يزال التصحّر بمنظره الأشهب هو السمة الأبرز عندما تلتقط صورة من نافذة طائرة تحلِّق فوق مدننا.
* * *
* الأراضي الفضاء المخصصة لأن تكون حدائق عامة شحيحة، وهو ما يفرض على هيئات تطوير المدن إعادة النظر في توزيع استعمالات الأراضي داخل النطاق العمراني، واستقطاع نسبة أكبر للمساحات الخضراء لتأتي منسجمة مع رؤيتنا الطموحة، والتي أشارت بوضوح إلى تطلعها نحو زيادة نصيب الفرد من الرقعة الخضراء في المدن. نحتاج إلى أن نزرع 32 مليون شجرة في جميع أنحاء المملكة، لتكون حصة كل إنسان شجرة واحدة على الأقل، وهو تحدٍ حقيقي لكننا نمتلك مقومات النجاح فيه، بفضل إرادة قيادتنا الحكيمة، وما توليه من عناية واهتمام بالإنسان والمكان.
* * *
* ثمة أساليب بإمكانها تسريع تنفيذنا لتشجير مدننا، منها منح القطاع الخاص تخفيضات في الرسوم البلدية والضريبية مقابل مساهمته بنسبة محدَّدة في أعمال الزراعة، وكذلك تضمين التشجير في العقود التي توقّعها الجهات الحكومية بمختلف قطاعاتها مع الشركات كجزء من المسؤولية الاجتماعية، والتزام الأمانات والبلديات في تطبيق قرار تشجير أسوار المنازل والمنشآت كشرط أساسي لاستخراج رخصة إتمام البناء، وفرض إنشاء الحدائق العامة على جميع المطورين العقاريين الذين تتعامل معهم وزارة الإسكان، وفتح الباب أمام تطوّع أفراد المجتمع بالتبرع بشجرة كمبادرة وطنية.
* * *
تشجير المدن بإمكانه إحداث تغيير جذري في المشهد البصري وخلال وقت وجيز متى ما حظيت برامجه باهتمام أكبر من قِبل الجهات المعنية ووضعت كأولوية في التنفيذ، مع ضرورة تحديد معايير في اختيار أنواع الأشجار المزروعة، منها أن تكون ذات ظلال واسع وارتفاع متوسط وقادرة على العيش في البيئة المحيطة بها، لضمان تحقيق مفهوم الاستدامة البيئية، وتفادي الهدر المالي بزراعة أنواع تفنى سريعًا لعدم قدرتها على التأقلم في بيئتنا.