د. محمد عبدالله العوين
حينما نتأمل ما حل بالعالم بسبب جائحة كورونا نصل إلى تقرير حقيقة لا يمكن أن تغيب عن العقول الواعية؛ وهي أن مسؤولية تحقيق الأمن الصحي لجميع البشر في أنحاء هذا الكوكب مسؤولية دولية مشتركة لا يمكن التسامح في حفظها وتطبيق واجباتها ولا يصح التهاون في اتخاذ التدابير الحكيمة التي تعين على حماية صحة الإنسان من الأوبئة والجائحات والكوارث.
لقد مرت بالإنسان في القرون الماضية أزمات صحية مؤلمة اجتاحت مناطق واسعة من العالم وهلك بسببها مئات الآلاف أو ملايين من البشر؛ كالطاعون والإنفلونزا الأسبانيوية والكوليرا وإنفلونزا الخنازير والطيور والوادي المتصدع وسارس وغيرها، واختلفت في تأثيراتها المفجعة وما سببته من آلام ومآس على الإنسان والحضارة.
لم تنقرض البشرية، واستمرت الحياة، بعضها خفيف سريع العبور وبعضها الآخر ثقيل مؤلم قاسي الوطأة، غير أن تجربة الإنسان مع وباء فيروس كورونا المستجد 19- COVID تستحق أن نقف عندها لنتعلم الدروس ونستنبط الحكم ونستخرج القيم التي لابد أن تسود لحماية الإنسان نفسه.
لقد ولى ذلك الزمن الذي يمكن أن تتصرف فيه أية مجموعة بشرية في أي جزء من العالم كما تشاء وترتكب من الأخطاء ما ترتكب وتقترف ما تشاء في حق الصحة العامة على الكون والوجود والإنسان ما تزينه النفس الشريرة أو المتخلفة واللامسؤولة.
وبصورة أوضح وأكثر تبسيطا للفكرة: لا يمكن أن ترتكب اليوم مجموعة من البشر في أي جزء من هذا الكون موبقات مؤذية على الصحة دون أن يعم البلاء كل العالم؛ سواء بالعبث أو التهور باستخدام أسلحة نووية مدمرة أو تجارب كيماوية أو تخليق فيروسات وجراثيم قاتلة في ما يسمى بـ ( الحرب البيولوجية أو الجرثومية ) أو إطلاق مغامرات تحوير وتغيير في المكونات الغذائية أو النباتية أو استخدام المحسنات والهرمونات بإسراف وبدون مسؤولية طبية في الحيوان والطير والأسماك، أو استخدام الطب في تكوين طفرات جينية غير سوية، أو الإهمال في النظافة والعناية بالصحة العامة إلى درجة التلوث المخلق للجراثيم والمايكروبات الضارة القاتلة المتحورة المتطورة التي تتمانع على المضادات البشرية والطبية، أو أكل أنواع قذرة من الحيوانات والزواحف والحشرات كالقردة والكلاب والخنازير والفئران والضفادع والسحالي والديبان والعقارب والخفافيش والصراصير وغيرها كما يفعل الصينيون.
ولعل في ما نقلته مقاطع فيديو عن مسالخ الحيوان والأسماك في بعض مدن الصين دليل على ما يحتمل أنه سبب لتخلق المايكروبات المؤذية إما من المأكول السيئ نفسه أو من نظافة المكان المنعدمة.
لقد ضرب الفيروس مدينة ووهان في الصين أول الأمر، واستبعد كثيرون أن يتحول الداء الوبيل الذي انتشر في المدينة المنكوبة إلى وباء، وتباطأت منظمة الصحة العالمية في الاعتراف بذلك إلا بعد ثلاثة أسابيع من وصوله إلى أكثر من مائة دولة في العالم.
ما يحدث الآن من ألم إنساني في شرق القارة يئن بسببه الإنسان في جهاتها الأربع، فلم يعد جزء من هذا العالم معزولا عن جزئه الآخر؛ ولذا فإن المسؤولية الأخلاقية عن أمن وصحة وسلام الإنسان على هذا الكوكب قضية إنسانية مشتركة.