فهد بن جليد
شعور الملل الذي أصاب نفرًا من أفراد الأسر (ذكوراً وإناثاً وأطفالاً)، وتذمرهم من (قعدة البيت) التي فرضها علينا جميعاً (فيروس كرونا)، يطرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول نظرتنا إلى منازلنا؟ وهل هي بالفعل تلبِّي احتياجاتنا وضرورياتنا الحياتية بتصاميمها ومحتوياتها؟ أم أننا نشعر فيها بالغربة؟ ما يفتح لنا أبواباً جديدة لإعادة فهم معنى (السكن والسكينة) المعادلة الغائبة بفعل (رتم) الحياة العصرية السريعة التي نعيشها، والتي أنْسَت بعضنا أبجديات التشارك مع الأهل في بيت واحد، وقيمة الحياة فيه؟ عندما جعلنا بيوتنا أشبه بمحطات عبور أو مقارٍّ للانطلاق والنوم فقط، وكأننا فجأة وضِعنا في (خانة ضيقة) تجمعنا مع أهالينا وأسرنا تحت سقف واحد، وتكسر (غربة حقيقة) بين أفراد العائلة الواحدة لم نشعر بها قبل اليوم.
لنعرض المشهد بشفافية، منازلنا هي الملاذ الآمن والمكان المريح الذي نشعر فيه بالاطمئنان -أو هكذا يجب- فلماذا التذمُّر إذاً؟ والشعور بالكبت والضيقة التي لم تعد خافيه، ويمكن رصدها بسهولة من خلال ردود الفعل والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، وما يقوله وينقله معظم المحيطين، -ثمَّة خلل ما- هل هو في الجدران الصامتة والحادة؟ أم في شركائنا من ساكني المنازل؟ أو ربما نتيجة التعوُّد على العيش والأكل خارج البيت أكثر من الحياة بداخله، وتلك إشكالية اجتماعية تستحق البحث والعلاج.
(الإقامة الجبرية) أو القصرية بمفهومها الشامل تُشعر الإنسان بالسجن وسلب الحرية مهما اتسعت الخيارات أمامه، حتى لو كانت إقامته في قصر عامر، بالمقابل هذه التجربة الجماعية التي نخوضها اليوم، تبدو فرصة سانحة لإعادة ترتيب الأوراق والأوليات بين أهل البيت الواحد، ويصعب أن تتكرَّر بذات الصرامة والحاجة والقوة والدافعية بين شرائح المجتمع كافة، حيث لا سفر للخارج، لا مدن ترفيهية، لا جمعات وصداقات خارج إطار المنزل، لا حفلات زواج أو مناسبات كبيرة، العائلة أقرب إلى بعضها من أي وقت مضى، أحلك الظروف وأصعبها تجعلك أمام حقائق لم تكن تعيرها أو تنظر إليها بالاهتمام اللازم، وهو حالنا اليوم، لذا كنتُ أتوقع وأنتظر دوراً أكبر للجمعيات والمؤسسات التي تُعنى بالأسرة والطفل، فهذا وقتهم وهذا ميدانهم، وهو ما لم ألمسه -مع الأسف- حتى اليوم.
وعلى دروب الخير نلتقي.