عبدالوهاب الفايز
الإجراءات الحاسمة والسريعة التي اتخذناها للاستعداد لمخاطر انتشار كورونا، كانت ضرورية وقدمت نموذجًا إيجابيًا لكيفية التعامل الحكومي مع الأزمات الطارئة، والأجهزة الحكومية تقدم لها الظروف الصعبة الراهنة فرصة الدراسة والتعلم من الإيجابيات والسلبيات، وأيضًا تقدم الفرصة لمراجعة دور مؤسسات المجتمع الأهلي ومنشآت القطاع الخاص، وأيضًا كيف كان التفاعل والتعاون الشعبي مع الظروف الطارئة. والأهم أن الإجراءات جاءت متدرجة ولم تحدث الرعب، لأن هذه أسوأ من الوباء، وهذا ما جعل منظمة الصحة العالمية تتأخر في إعلان الوضع كجائحه.
التخطيط والاستعداد للأزمات، وحسن ونضج التعامل معها، حالة تتعاظم وتتصاعد الحاجة لها، فالأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية متوقع استمرارها وتوسعها، وتبعات التلوث في البحار والفضاء وتدمير الغابات المطيرة لن يمر من دون ثمن تدفعه البشرية، وانتشار فيروس كورونا يؤكد العلماء والمختصون أنه ناتج عن التعامل غير الطبيعي والمدمر للثروة الحيوانية، وأيضًا يعود لأسلوب التعامل مع الحيوانات المحرمة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
في حلقة خاصة من نسخة برنامج (60 دقيقة) الأسترالي أبرزت خطورة هذا الوضع. فقد تخفى معد الحلقة مع أحد المختصين وقاما بزيارة أحد الأسواق الخفية (Wet market) التي تديرها العصابات المنظمة في شرق آسيا.
السوق الذي زاروه في تايلند، وهنا ترى عالمًا مخيفًا حيث تم جمع وحشر في أقفاص مزدحمة عشرات الأنواع من الثعابين، والخفافيش، والكلاب، وحتى البنغولين الأسترالي الذي يجمع أنواعًا عديدة من الفيروسات الخطيرة.. كل هذه يتم ذبحها وتقطيعها، وهنا الخطورة. أثناء التعامل معها تنتقل الفيروسات إلى البشر ثم تنتشر، وقد احسنت الحكومة الصينية عندما شنت مؤخرًا حملات مكثفة لإغلاق الآلاف من المزارع والأسواق التي تديرها العصابات.
ولخطورة هذا الوضع أعلنت الحكومة الصينية الشهر الماضي أنها (ستعاقب بالسجن 10 سنوات أو أكثر كل من يأكل لحوم الحيوانات النادرة بموجب تفسير جديد للقانون الجنائي في إطار سعي الحكومة لسد ثغرة قانونية وتوفير حماية أفضل للحياة البرية). الحكومة الصينية وضعت 420 نوعًا من الحيوانات كأنواع نادرة أو مهددة بالانقراض، ومنها الباندا والقرد الذهبي وهو أحد أنواع القردة والدببة الآسيوية السمراء وأكل النمل البنغولين. والقوانين الجديدة تهدف لحماية هذه الأنواع المهددة نتيجة الصيد الجائر وتدمير البيئة أو بسبب الإقبال على أكل أجزاء من تلك الحيوانات لأغراض علاجية متوهمة، أو لأنه يمنح مكانة اجتماعية خاصة ومميزة!
التعامل الجائر مع الحيوانات بالطريقة التي تتم في شرق آسيا طبيعي أن تكون له ارتدادات سلبية خطيرة على البشرية، أو كما يقول ستيفن كالستر أحد المختصين الناشطين والمدافعين عن الطبيعة (إنه انتقام الطبيعة، أو القنبلة الموقوتة)، فالإنسان يتجاوز كل الحدود والخطوط الحمراء، والرأسمالية المتوحشة أسست لعقيدة النمو المستمر لرأس المال والثروات، وهذه عقيدة لا تعرف حالة الشبع.. أو القناعة!
السيطرة على أسواق المواد الغذائية والمنتجات الحيوانية مهمة رئيسة للحكومات، فهذا النشاط إذا بقي خارج نطاق سيطرة التشريعات والرقابة الحكومية الفعالة، فسيكون ممرًا لنقل الأمراض والأوبئة، وعبر التاريخ ظلت العلاقة غير السوية بين الإنسان والحيوان مصدر التهديد الأول والرئيس للحياة البشرية.
إذا تجاربنا الحكومية مع الأزمات إيجابية وصارمة وتتحرك بسرعة لحماية أرواح الناس ومصالحها، فما يحمي حياة الناس هو ضرورة الاستمرار اتخاذ الآليات والخطوات المستدامة لحماية الصحة والسلامة العامة. ما هو ضروري وما يحتاج استمرار هذا الجهد والتنسيق وفرض الإرادة السياسية الذي نراه الآن ويحقق حماية مصالح الناس، الضروري استمرار هذا الجهد الحكومي لترتيب أوضاع أسواق منتجات الثروة الحيوانية والنباتية.
ربما من المهم إعلان هذا الجانب (قطاعًا سياديًا)، أي أن تكون المصلحة العليا هي الدافع القوي لإصلاح هذا القطاع الذي أهدر الفرص الاقتصادية والاستثمارية لعقود عديدة، بالذات في جانب التسويق. لقد خسرنا ثروات وطنية نتيجة غياب صغار ومتوسطي المزارعين ومربي المواشي بعد خروج السعوديين نتيجة لعدم قدرتهم على المنافسة، ولخوفهم من الآثام والعقوبات التي تترتب على ممارسات الغش والخداع.
انتقال الإشراف على هذا القطاع إلى وزارة البيئة والزراعة خطوة إيجابية، فقد فشلت وزارة البلديات في تنظيم وإدارة القطاع، ونتطلع أن نرى نقلة نوعية جديدة في هذا القطاع الحيوي الذي يمس صحة وسلامة حياة الناس. الجهد الحكومي المتميز الذي نراه الآن، نتمنى أن نراه يقف إلى جانب وزارة البيئة يساندها ويدعمها لكي تتحرك بسرعة لتطوير وتنظيم قطاع الثروة الحيوانية والنباتية، فهذا، بحول الله، سيؤدي لحماية صحتنا، وأيضًا بيئتنا.