نوف بنت عبدالله الحسين
في زحمة الحياة، بكل تفاصيلها وإحداثياتها وتبعاتها، نحتاج إلى العزلة في كثير من الأوقات، عزلة من ضوضاء المدينة، عزلة من صراعات العمل، وعزلة من وسائل التواصل.
ربما تاهت منّا أنفسنا في ذلك الازدحام، نسينا هواياتنا، أفلامنا التي نحب، كتبنا المفضَّلة، تلك المشاوير الهادئة، وكسر الجمود الذي أصابنا.
كثيرٌ منا كان يحب ممارسة ركوب الدراجة حينما كان صغيراً، وحين كبر اختفى هذا الاهتمام إلى أن أصبح شيئاً من الماضي، فغابت تلك النشوة الجميلة، حين تطلق العنان لقدميك أن تقود الدراجة مستمتعاً بذلك التّيار الجميل الذي يعاكس وجهتك، وكثير منا لم يعد يمارس السباحة لأنه مزدحم بتلك الفوضى والضوضاء، بعد أن كان يغوص عميقاً ليلتقط الحذاء المرمي في قاعة المسبح، متحدياً العمق والنفس، مبتهجاً بشعور الفخر، وكم منا من نسي كيف كان يلعب تلك الألعاب الفكرية ويتألق فيها كفارس للعبة، فكم من هزيمة نكراء باغتنا المنافسين وباغتونا، وكنا بعدها نضحك وننهي جلستنا بألذ وجبة شاورما بعد جولة قاسية من المونوبولي والشطرنج وغيرها.
نحتاج إلى عزلة تعيد لنا الحياة بجذوتها، بخلوة مع الروح نسألها ما الذي ترغب فيه وما أثر ذلك عليها، بأن نتخلَّص من تلك العوالق في الذكرى والذاكرة، أن لا نخشى من أي رد فعل، وأن نكون كما نريد؟
العزلة قد تجعلنا نكتشف أنفسنا من جديد، ربما نجرب أطباقاً جديدة، نختار كتاباً جديداً، قد نسافر إلى منطقة لم نزرها من قبل، وقد نطرب لأغنية مختلفة عن ذائقتنا المعتادة، وربما جربنا رقصة فلكلورية تحكي قصة الشغف في البلدان.
العزلة تجعلنا نتخلَّص من تلك التراكمات، وذلك الارتباط السحيق بأشياء لا معنى لها، سوى أنها تنهك أرواحنا وتجعلنا نهرم ونبتلي بعمر مضى دون معنى.
دعونا نمارس عزلة صحيَّة، تعيد الدهشة إلى أجمل صورة، فلنستمتع باكتشاف الحياة، قبل أن يمضي عمرنا في وحل الازدحام.
لنجرب مرة أن نعتزل تلك الحياة الصاخبة للحظات، لأيام، لأسبوع، وربما لشهر، لنتواصل مع الرفقاء القدامى، نذهب معهم إلى عشاء محبة، نعيد فيه ذكريات مضت، ونجدد معهم مشاعر الورد.
فلنعتزل، لنحيا ما تبقى في سلام ومحبة ووئام.