عندما تحدث قضية معينة في مجتمع صغير فإنها تبقى حبيسة بين أفراد هذا المجتمع، وفي الجهة المقابلة حينما تحدث قضية أخرى في مجتمع كبير فإنها تنتشر بين أفراده وتلقى ردوداً منهم بالتفاعل معها لصنع رأي عام يُعد كإحدى وسائل الضبط في المجتمع والذي من شأنه أن يحدد المعايير المقبولة في المجتمع، والتي ينبغي على كل فرد من أفراد المجتمع التمسك بها.
ومما يلفت انتباهي هذه الأيام تكرر حدوث مشكلة التنمّر في المدارس، مما يجعل هذه القضية تصبح ظاهرة، لماذا؟ لأن معظم أفراد المجتمع يشعرون بها من خلال ما يسمعونه من أبنائهم وبناتهم عند عودتهم من المدارس.
ربما يتساءل البعض ما هو التنمّر؟
فالتنمّر «هو سلوك عدواني متكرر يقوم به طالب ما بهدف الإضرار بطالب آخر عمداً، جسدياً أو نفسياً، كما يهدف إلى اكتساب الطالب السلطة على حساب طالب آخر».
ومن بين أنواع التنمّر مما يؤثِّر بشكلٍ سلبي على الطالب المتنمَّر عليه:
أولاً: تنمّر جسدي (مثل: ضرب الطالب المتنمِّر لطالب آخر).
ثانياً: تنمّر عاطفي (مثل: تلفظ الطالب المتنمِّر على طالب آخر بكلام بذيء من سب وشتم ولعن ونحو ذلك).
وقد أدرجت وزارة التعليم (التنمّر) كمخالفة يعاقب عليها الطالب المتنمِّر، ففي كتاب (بأخلاقي أسمو) تصنف مخالفة (التنمِّر) في قواعد السلوك من مخالفات (الدرجة الرابعة) والتي يترتب عليها بأن يُعقاب الطالب المُتنمّر من قِبل وكيل المدرسة كما يلي بالترتيب:
أولاً: التنبيه الشفهي.
ثانياً: إشعار ولي أمر الطالب.
ثالثاً: أخذ تعهد خطي على الطالب بعدم التكرار.
رابعاً: استدعاء ولي أمر الطالب.
خامساً: حسم عشر درجات من السلوك.
سادساً: الإحالة للمرشد الطلابي.
سابعاً: نقل الطالب لفصلٍ آخر.
ثامناً: الإحالة لوحدة الخدمات الإرشادية خارج المدرسة.
تاسعاً: نقل الطالب لمدرسة أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يُعقل بأن يُترك الطالب المتنمِّر ليمارس طبيعته العدوانية ضد الطلاب الآخرين في المدرسة في ضوء إجراءات ضعيفة ومتساهلة كما هو مكتوب في الأعلى, والتي لا تستطيع أن تردع الطالب المتنمِّر عند حده منذ الوهلة الأولى لكي يعي جيداً بأنه مخطئ وسيحاسب على خطئه؟!
فبناءً على الإجراءات المتبعة عند تنمّر طالب على طالب آخر فإن وكيل المدرسة يقوم بتنبيه الطالب المتنمِّر شفوياً فقط! وكأن لسان حال وكيل المدرسة يقول للطالب الآخر المتنمَّر عليه: «اذهب لفصلك وإذا كررها معك مرة أخرى أبلغني.. انتهى!».
وعند ممارسة الطالب للتنمِّر للمرة الثانية على الطالب نفسه أو طالب آخر يقوم وكيل المدرسة بإبلاغ ولي أمر الطالب المتنمِّر! ويتكرر لسان حال وكيل المدرسة في قوله للطالب الآخر المتنمَّر عليه: «اذهب لفصلك وإذا كررها معك مرة أخرى أبلغني.. انتهى!».
وهكذا..
لحين تكرار مخالفة التنمِّر للمرة الخامسة يحسم وكيل المدرسة من الطالب المتنمِّر 10 درجات من السلوك!
وعند تكرار مخالفة التنمّر للمرة السادسة يحول وكيل المدرسة الطالب المتنمِّر للمرشد الطلابي لدراسة وضع الطالب!
إلى أن نصل للإجراء التاسع المُتبع مع الطالب المتنمِّر ألا وهو نقل الطالب المتنمِّر إلى مدرسة أخرى!
ومن وجهة نظري.. إن كثرة الإجراءات المتبعة مع مخالفة التنمِّر أفقدت العقاب هيبته أمام الطالب المتنمِّر, والذي أصبح لا يخشى الأنظمة واللوائح المدرسية, مما جعلنا نشاهد الطالب المتنمِّر يكرر فعلته مرة تلو الأخرى بلا خوف, وقد قيل: من أمِنَ العقوبة أساء الأدب.
لذا أقترح على وزارة التعليم ما يأتي:
أولاً: توثيق علاقة المدرسة بالأسرة، بحيث يكون ولي أمر الطالب مُطلعاً على كل ما يخُص ابنه من الناحيتين السلوكية والدراسة، لأن الأسرة لها دورٌ كبيرٌ في تنشئة الطالب على الأخلاق الفاضلة والقيم والعادات والتقاليد البناءة، فالأسرة هي اللبنة الأساسية لتشكيل أي مجتمع.
ثانياً: الاستفادة من تجربة الإمارات العربية المتحدة وبالتحديد في إمارة مدينة دبي حينما تم اعتماد تدريس مقرر (التربية الأمنية) في مدرسة الإمام الشافعي في عام 2003م، حيث كانت هذه المدرسة تُعاني من ضعف الضبط لدى الطلاب وانحراف بعض سلوكياتهم، فأكسبهم هذا المقرر وجوب احترام الأنظمة والقوانين في داخل المدرسة وخارجها، وتعودهم على الأمثال للمعايير المقبولة في المجتمع، ورفعت من حِس الطلاب الأمني تجاه وطنهم، كما أسهمت في زيادة تحصيلهم الدراسي عند ظهور نتائج نهاية الفصل الدراسي، لذا توسعوا في تطبيق تدريس (التربية الأمنية) في جميع مدارس دبي في عام 2012م، ومما يؤكد أهمية تدريس مقرر (التربية الأمنية) ما توصلت له دراسة أ. د. فهد السلطان في عام 2009م بأنَّ «تدريس مقرر التربية الأمنية يُساعد في مكافحة التطرف والإرهاب والإدمان والتعدي على الغير مما يُسهم في حفظ أمن المجتمع».
ثالثاً: تحديد مدرسة في كل مكتب تعليم بالمنطقة ليوضع بها جميع الطلاب الذين لديهم مشكلات سلوكية ومنها (التنمّر) بحيث يتم زيادة عدد المعلمين والإداريين والمشرفين التربويين والاجتماعيين بها، ويتم التركيز عليهم من الناحية التربوية أكثر من الناحية العلمية، من أجل توجيه وتعديل سلوكيات الطلاب غير المرغوب بها بما يضمن تغير حالهم للأحسن
رابعاً: الاستفادة من الأنشطة المدرسية في إضافة قيم من شأنها أن تعدِّل سلوك الطلاب نحو الأفضل، كما في الأنشطة العسكرية والمسابقات التي تتطلب أن يلتزم الطلاب بالقواعد المحددة له لكي يفوز بالجائزة.
خامساً: تعديل إجراءات مخالفة (التنمّر) في لائحة السلوك والمواظبة بحيث تكون حازمة لإيقاف هذا السلوك المشين، كما تضمن لنا ترهيب الطالب المتنمّر، وعدم تكرار هذا التنمّر.
سادساً: تعاون وزارة التعليم مع الجهات الأمنية لعمل زيارات ميدانية للمدارس لعقد محاضرات وورش عمل تبيّن للطلاب مدى خطورة التنمّر، وما هي عواقبه والتي قد تصل للسجن ونحو ذلك، بما يضمن إحداث توعية أمنية للطلاب عن خطر التنمّر.
ختاماً.. قوة الأنظمة واللوائح المدرسية كفيلةٌ بضبط سلوكيات الطلاب بما يتوافق مع المعايير المطلوبة منهم, والتي ستنتقل من بيئة المدرسة إلى المجتمع.
** **
Mosaedalbakhat
Mosaedsaeed@hotmail.com