عبده الأسمري
الكتابة فعل أمر مبنى على «المتون» وفاعله مرفوع بالهمة ومشفوع بالمهمة.. وهي المعنى العظيم الذي يصور المشاهد أمام الأرواح فتراه واقعًا ملموسًا في هيئة «حروف وكلمات وعبارات» تأتي كالصرح المقيم أمام «بصر» الناظرين.. وكالطود العظيم أمام نظر «الباحثين».
تتجاذب الكتابة مع «الفكر» وتنجذب إلى «التفكير» فتأتي إلينا كالمواسم وتحل وسطنا كالمراسم.. فترتدي رداء «البشائر» متنقلة بين «البصائر» و«المصائر» فتشبع الأرواح اللاهثة خلف «الأفكار» وتجيب الأنفس المتسائلة عن «الاعتبار» فتتشكل في عالم «مرئي» ومعلم «مسموع» تنطق بالحرف وتستنطق بالحرفة.
تختلف طقوس الكتابة فما بين «موهبة» تستعمر «الإِنسان» يراها دهرًا للثبات وآخر للتحول وبين «مهارة» تغمر «الوجدان» فيقدمها مهرًا للإنجاز ويعيشها جهرًا للاعتزاز تتوطد العلاقة بين وحي الحرف وإيحاء الوصف قدرًا وتقديرًا وسطرًا وتسطيرًا.
للكتابة طقوس تظل «سرًا» بين القلم والورقة والكاتب و«علانية» بين الفكرة والمناسبة والتعبير.. فنرى الأوقات راضخة لهذا الفعل رهينة لهذا الجانب الذي يسخر العقل ويشحذ الهمم من منطلق السلوك إلى انطلاقة المسلك.
ترتبط الكتابة بفصول «الأفق» وأصول «العمق «وتترابط مع «أركان» المعنى و«أسس» الوعي. فتكون في حالة من «التركيب الفكري» بعناصر يرتبها «الكاتب» في معادلة «معرفية» و«تجربة» من «التأليف الذاتي» بمعانٍ يضعها «المؤلف» في خطة «عقلية» لتكون مبنية على «البراهين» واقفة على «الدلائل».
تستنفر «الكتابة» المسجوعين بهموم الناس المسكونين بغموم الآخرين فتأتي كالسكينة على المواجع في «مقال» نزيه وكالطمأنينة في «مقام» وجيه. عندها تشكل الكلمة «سلاحًا» لوأد الهم و«كفاحًا» ضد «الغم» و«بوحًا» أمام الصمت و«انفتاحًا» رغم الانغلاق.
تستقر «الكتابة» في النفس كموجة تلامس «العقول» وتتكون كغيمة تنتظر الهطول وتتبلور كمعادلة ترتقب الحل وتسمو كتفاصيل تتحين «الإعلان» وتتباهى كجائزة تنتظر الفوز.
الكتابة مهارة وموهبة وهبة تملأ النفس بالتوازن وتشبع الروح بالاتزان وهي بوابة «الأفكار» وانطلاقة «الابتكار» منها تتشكل البدايات وبها تنطق «المتون» وإليها ترتكن النهايات في حضرة «الكلمة» وفي حظوة «الحروف».
ترفع «الكتابة» المناعة الذاتية ضد صدمات «الأحاديث» لتكون البلسم الشافي لمواجهة «كيد» الفارغين والمبسم الذي يرسم للحياة كل اتجاهات «النقاء» والوسم الذي يزين الواقع في شتى صفحات الوقائع.
في الكتابة دروس متعددة فمنها تنمو «المهارات» وفيها تبتكر «المواهب» وهي «فصل» أول و«أصل أمثل» في تغذية العقل وتنمية الذات في ردع العشوائية ودحر الفوضى فيأتي اليراع كالحل الأجمل في صياغة «الإنتاج» وصناعة «المنتج» في قلب العبارات وقالب الاعتبارات.
الكتابة «علاج شافي لمواجهة موجات العشوائية ومضاد كافٍ لمجابهة سوءات الفوضوية فهي «ترتيب» فكري و«تهذيب» أدبي يعلو بالقيمة ويرتفع بالمهمة نحو درجات «الأثر» ومراتب «التأثير».
من الكتابة تعلمنا «أولى» خطوات الفلاح وركضنا في ميادين «النجاح» وصولاً إلى «مضامين» التفوق.. في اكتمال لمراحل «التعلم» وامتثال لمحافل «التعليم» ووسط اتجاهاتها تشربنا «الثقافة» وبين موجهاتها تجرعنا «الأدب» لتظل «الرابط بين الإدراك والمدارك والدافع والمنافع والسلوك والمسلك والاستدلال والدليل والتخطيط والنتائج والتنافس والانتصار.
دروس الكتابة «مناهج» تكاد ترى بالبصر نلوذ بها في «زحمة» التفكر وننكص إليها في «مزاحمة» التفكير.. فتأتي إلينا الكلمات لتسقى جدب الجهل وتسطر مشهد الفعل.
للكتابة «حالات» و«مقامات» و«مسالك» تجعلها في «حراك» للذهن و«إدراك» للمعنى ينقلك من التردد إلى الثبات ومن الانتظار إلى الاختيار ويجعلك في شعور «مثالي» بين المثير والاستجابة.
أنتجت الكتابة «المعاجم» و«الموسوعات» و«الكتب» وخرجت «العلماء» و«الأدباء» و«العباقرة» لتكون المنصة المثلى في شيوع «المعارف» وسطوع «المشارف» وتظل «الحصة الأعلى» في أرصدة التعلم والتدبر والتفكر.