سهوب بغدادي
يقول «غابرييل غارسيا ماركيز»، «إن هذا الحب في كل زمان ومكان ولكنه يشتد كلما اقترب من الموت» من رواية «الحب في زمن الكوليرا»، حيث تدور أحداث الرواية الكلاسيكية في أواخر القرن التاسع عشر حول قصّة حُبّ مستحيلة بين رجلٍ وامرأةٍ، وبقي هذا الحُبّ متأجّجاً حتى بلوغهما العقد السّابع من عمريهما، فيما تخللت تلك السّنوات عقبات كبيرة عرقلت تواجدهما معا وفضلت بينهما المسافات إلا أن اندماج روحيهما كان أقوى من جميع الاعتبارات. وكما هو الحال مع أي قصة حب تزوجت الفتاة من طبيب ثري لترضي أسرتها وتركت حبيبها خلفها-لا أريد أن أحرق القصة في سردها المتميز-ولكنني أستشهد بنهايتها عندما اجتمع البطلان مجددا بعد 50 عامًا من الانتظار، كانت تلك الفترة كفيلة بأن تغير ملامح الفتاة الجميلة والشاب الفتي لكنها لم تغير ما كان من مشاعر بل أججت ما في نفس العاشق ليزداد عشقا فوق عشقه وشغفا لتحقيق هدفه، على الرغم من تمكن الفتاة من نسيانه أو تناسيه! فليس هنالك حب فاشل إن كان حبا حقيقيا وإن كان من طرف واحد. «فلورينتينو» بطل القصة الذي قام بإشاعة خبر تفشي وباء الكوليرا على متن سفينة جمعته بتوأم روحه.
فما كان من السلطات إلا أن تخلي السفينة وإعلانها الحجر على من بقي على متنها، فكان «فلورينتينو» وحبيبته «فيرمينا» على متن السفينة التي أخذت تبحر جيئة وذهابا رافعة أعلام الوباء القاتل ولم يعر كل منهما أدنى اهتمام نظرا لوصولهما إلى منطقة الماورائيات وكانا يحبان بعضهما البعض لأجل الحب لذاته. من هذا النسق، استشهد بما نعاصره في أيامنا هذه من انتشار فايروس «كورونا» المستجد، ضمن حالة هلع طوقت العالم أجمع، وليس ذلك بالأمر الجديد، فالفايروسات تتشكل وتتغير بشكل مستمر ولكننا نحن من لا نتغير، كنت أستمع إلى تأفف بعض الأشخاص المقبلين على الزواج ممن تم إلغاء مراسم زفافهم ضمن الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي الفايروس، فتلك تذرف الدموع وهذا يندب تأخير الحفل. فلماذا لا نعيش جنبات رواية «الحب في زمن الكوليرا» ونتعظ ونستقي الحكمة منها؟ أليس الأساس في الزواج الحب؟ وإن كان الزواج بهدف الزواج فقط فيجب على الشخص مراجعة قراره المصيري. إن لكل أمر جانب مشرق، ولا أقصد أن انتشار وباء أمر إيجابي في حد ذاته، لكن سلامتنا وسلامة وعافية من نحب أهم أمر، فإن كان جميع من حولي بصحة وخير سأكون سعيدا، والباقي سيعوض. كما يستطيع العروسان أن يبحثا عن حلول بديلة كالزواج العائلي الذي يتميز بالدفء، أو إقامة الحفل بعد الزواج بفترة وهذا مايطلق عليه أهل المنطقة الغربية (البداية) وهو حفل كبير للعروسين بعد فترة من زواجهما، فلا بأس من الحلول البديلة ما دام الحب أساسا والصحة والعافية تاج على رؤوسنا، في هذا الصدد، أشيد بجهود وزارة الصحة في نطاق مكافحة العدوى والصحة العامة فما نراه من تحركات استباقية لتطويق الوباء والوقاية منه أمر يثلج الصدر ومدعاة للفخر لانتمائنا لهذا الوطن فعلى كل شخص من باب الواجب الوطني أن يساهم بقدر الإمكان بتعزيز الأهداف المعنية بهذا النطاق إلى حين تجاوزنا هذه الأزمة بنجاح بإذن الله تعالى، وأقل ما نقدمه في هذه الفترة تجنب التجمعات والخروج دون حاجة، بالتأكيد إن كل أمر مقدر ومكتوب ولكن الحرص لا يتنافى مع التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب.
(كل شدة ستزول، وكل غمة ستنجلي، فغدا أجمل)