أثار سمو الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف في مقالته الأخيرة حراكًا فكريًا مهمًا حول تطوير منظومة الإدارة المحلية شاملة القطاع البلدي، حيث دعا سموه إلى «وقفةٍ صادقةٍ لدعم المجالس البلديَّة والذَّود عنها وتسهيل أمرها وتمكينها من ممارسة المشاركة العامَّة الحقيقيّة في القرار البلدي، فهي بعكس ما ينظر لها بعض العاملين في البلديات، تعد بحقٍّ - في حال تمَّ تفعيلها وتطويرها- دعامة أساسية للعمل البلديِّ وثروة متميِّزة ومصدر قوَّةٍ نوعيَّة لا يمتلكها غيرهم من العاملين في القطاعات الخدميَّة الأخرى».
وهذه الدعوة إِذ تأتي ممن خبر الشأن البلدي لأكثر من عقد ونصف، وواكب تجارب الإدارة المحلية أو المجالس المحلية وتبصّر في مواطن الضعف ومكامن القوة، فإنها دعوة القيادي التنفيذي الذي يقدم عصارة خبرته الحصيفة انطلاقًا من المسؤولية الوطنية، للإسهام في بناء النموذج الإداري الأفضل لواقع المملكة ومستقبلها بناء على الرؤية الوطنية 2030.
إن الإدارة المحلية أسلوب إداري تمنح بموجبه الحكومة لهيئات محلية صلاحيات محددة للقيام بوظائفها، وتختص بتصريف شؤون السكان والإشراف على المرافق والمشروعات المحلية، مع وجود إشراف مركزي، وبذا تتطلع الهيئة المحلية المنتخبة أو المعينة أو مزيجهما بصلاحيات الرقابة على المرافق العامة وتوفير الخدمات للسكان.
ومن هذا المنطلق تمكّن الإدارة المحلية كل منطقة من مناطق المملكة من إدارة المنطقة وتنميتها وفق أولوياتها واحتياجاتها فضلاً عن تسيير شؤون سكانها.
ولعله من المعلوم في علم الإدارة أن الدول حال نشوئها أو استقلالها تلجأ إلى مبدأ المركزية ابتداءً لبسط نفوذها وإحكام سيطرتها على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غير أن الواقع ما يلبث يفرض نفسه شيئًا فشيئًا مع النمو السكاني والاقتصادي والتطور الصناعي، ومع توسع المسؤوليات وازدياد التعقيدات البيروقراطية، فإن خيار الإدارة المحلية يصبح حاضرًا وبقوة إن لم يكن حينها الخيار الأفضل والوحيد.
وإن سير حكومتنا الرشيدة نحو مزيد من تمكين المشاركة الشعبية في القرار عبر تجربة المجالس البلدية، مؤشر على السعي نحو إدارة محلية فاعلة، وإذ تكن التجربة في السنوات الماضية فتية لم يشتد عودها، واعتورتها بعض الثغرات والعثرات، فقد خَلُص سمو الأمير عبدالعزيز بن عياف من هذه التجربة إلى توصيته: «لا بد من دفعةٍ جديدةٍ لإدارة المدن وللقطاع البلديِّ بوجه الخصوص تعاد فيه هيكلته المؤسَّسيَّة والإدارية على أساس من تبنٍّ لنهج الإدارة المحليَّة على مستوى المدن، تتصرَّف فيه البلديَّات باستقلاليَّةٍ ماليَّةٍ وإداريَّةٍ ويشارك السُّكَّان في اتخاذ القرارات التَّنمويَّة في مدينتهم مشاركة صادقة وحقيقيَّة عن طريق مجلسٍ بلديٍّ مطوَّرٍ يملك الصَّلاحيَّات لتمكينه للقيام بذلك. أيضًا تكون فيه البلديَّات ممثلاً حقيقيًا للسُّكَّان في إدارة تنمية مدينتهم واستثمار ممتلكاتها وأصولها واختيار الأسلوب الأنسب في الصَّرف منها وعليها».
ومما لا شك فيه أن الإدارة المحلية باتت نمطًا إداريًا شائع في الدول المتقدمة فضلاً عمن يحاول اللحاق بركابها، ويغدو هذا النمط حلاً ناجعًا لتطوير القطاع البلدي عبر تمكين أكبر وإدارة محلية واعية تتلمس الاحتياجات وتحدد الأولويات وتتخذ القرارات المناسبة.
والأمل معقود أن يواكب التطور الإداري رؤية المملكة 2030، ويكون داعمًا لانطلاقة قوية نحو مصاف الدول المتقدمة في شتى مناحي الحياة، لتحقيق الرخاء والسعادة لوطننا المعطاء.
** **
- رئيس المجلس البلدي لأمانة منطقة الرياض