لقد تأكد لي وثبت في وجداني أن المعلم أشبه ما يكون بماءٍ صافٍ عذب، يتدفق حناناً ورحمة، وينساب خيراً ونفعاً، يمنح بسخاء وكرم منقطع النظير كنوزاً تترى، بلا منَّة منه أو أذى، يضحي بالغالي والنفيس في سبيل رقي الأفهام وعلو كعبها، وصقل من تقع عليه عينه من المواهب الفذة، مكتشفاً قدراتها الكامنة، ومعزِّزاً بوقوفه إلى جانبها توهجها وأوارها، وهو في ذلك كله يشعر بالراحة والطمأنينة والسرور والبهجة؛ لأنه يرى نتاج عمله وقد ظهر يانعاً جليلاً في صورة متألقة جمالاً وروعةً واتساقاً.
إن المعلم شخصية فريدة ونادرة قل أن تجد لها مثيلاً إلا من رحم ربي، تعمل بطاقة متفجِّرة متجدِّدة؛ لتنقذ أجيالاً متعاقبة من الضياع والتشتت في براثن الجهل ومجاهيل الظلام، إنه يعمل لساعات طوال يضني فيها روحه وجسده، ويبذل خلالها قصارى ما يمكنه من جهد وسعي؛ ليعلم وليبني أجيالاً يعتمد عليها بعد الله في الحفاظ على مكتسبات كثيرة تعب من سبقنا في تشييدها وتأسيسها؛ لذا فهو أهل للإشادة والتقدير والعناية والاهتمام، وهذا أقل ما يمكننا أن نمنحه إياه وفاءً له ورداً لجميله.
إن المجتمع الإنساني بكافة شرائحه ومختلف مشاربه ليدين بالفضل بعد الله لذلك المربي المجتهد الذي تخرَّج على يده القاضي والطبيب والمهندس والضابط وأهل الصناعة وأرباب التجارة وغيرهم كثير، وحري بنا جميعاً بلا هوادة أو مماطلة أن نحفظ له ذلك الصنيع الفاخر والمتميِّز قولاً وفعلاً، وأن نرد عنه بكل ما أوتينا من قوة وعنفوان من يحاول أن ينال من مكانته العالية أو يحط من قدره السامي، وأن لا نرضى ولو بالنزر القليل بسخف وافتراء من يشكك في تفانيه وإخلاصه وحبه لفلذات أكبادنا صغاراً كانوا أو كباراً.
إن على ولي الأمر أن يزرع في رعيته حب المعلم واحترامه وإجلاله، وإن على أهل الحل والعقد أن يرعوا له حقه الواجب له دون هضم وتقصير وبلا مجافاة ومعاندة، ومهما أعطي المعلم مراراً وتكراراً فإن ذلك كله لا يعدل جزاء تعب ساعة واحدة يقف فيها المعلم بكل صبر واحتساب لينير الأبصار ويرشد العقول، ولقد أجاد أمير الشعراء حين قال:
قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
أخيراً أود أن أقدِّم شكري وامتناني لقادة هذا البلد المعطاء الذين قدَّروا العلم وصنَّاعه قديماً وحديثاً، ولم يألوا جهدا في تكريم رواده والرفع من شأنهم، في حياتهم وبعد مماتهم، فلهم منَّا جزيل الشكر وعاطر الثناء ، والله من وراء القصد.