م. بدر بن ناصر الحمدان
العنوان، هو السطر الأول من قصيدة الطائر الأزرق لـ«هنري تشارلز بوكوفسكي» الشاعر الروائي والكاتب الأمريكي من أصل ألماني، الذي كتب ذات يوم في رسالة وجهها إلى أحد أصدقائه قائلاً: «لدي خيار من اثنين، أن أستمر بعملي في مكتب البريد وأصاب بالجنون أو أن أمضي بالكتابة وأموت جوعاً، ولقد قرَّرتُ أن أموتَ جوعاً».
«ثمَّة طائر أزرق في قلبي..
يهمُّ بالخروج، لكنني أقسو عليه..
أقول له: إبق في الداخل هناك..
فلستُ أسمح لأي أحد أن يراك..»
هذا الجزء من القصيدة يصنَّف من روائع الأدب العالمي، ويمكن القول إن «بوكوفسكي» هنا استطاع أن يبني أرض معركة خصبة وغير معلنة بينه وبين شخصيته التي يحاول إخفاءها، هذا الحوار الداخلي يمثِّل قيمة إنسانية كبيرة لمن يمتلكون مخزوناً احتياطياً كبيراً من المشاعر والعاطفة والأحاسيس التي تتحكَّم بالجنس البشري.
رغم تحفظي على أسلوب حياة «بوكوفسكي» التي قضاها كملحد وبين الحانات وفي النزل الرخيصة، إلا أنني لا أخفي إعجابي الكبير بفلسفته للحياة، تلك الواقعية والبساطة التي يحاول أن يؤطِّر بها كل ما يحيط به من مظاهر بأسلوب عميق جداً يوحي بإنه إنسان يعيش حالة من صراع الوجود، باختراع هذه العزلة في قراءة الأشياء.
كل منا بداخله عصفور أزرق يهم بالخروج، والأجدى أن يبقى بداخلنا، وإن لزم الأمر نفعل كما فعل بوكوفسكي حينما قال:
«أُخرجه فقط، في المساء أحيانًا..
حين يكون الجميع نيام..
أقول، أنا أعلم أنك بالداخل..
لذا لا تكن حزينًا..
ثم أعيده مرة أخرى..
لكنه يغني هناك، وأنا لم أتركه يموت».
رحل بوكوفسكي عام 1994م في كاليفورنيا، بعد رحلة طويلة من المتاعب، تاركاً خلفه عناوين أرصفة لا يعرفها أحد، وإرثاً أدبياً وفلسفياً، وعصفوراً أزرقَ بداخله، وتساؤلات بدون أجوبة، ودعنا قائلاً:
«يُدفع الرجل للبكاء..
لكنني لا أبكي..
هل تبكي أنت؟».