عبد الله باخشوين
الحصول على ثقة (الآخرين).. أسهل كثيراً من السعي لاستعادتها بعد فقدها وخسارتها.. سواءً على المستوى (الأسري) أو (الاجتماعي) أو (العملي).
ففي (البيت) أنت (صادق) و(أمين) تكسب ثقة (الوالدين) ويعتمد على (قولك) و(فعلك) ويتم التجاوز عن كثير من (نزقك) و(حماقاتك) الصغيرة وبعض (طيشك) بحسن قبول لين ردعك وحسن استماعك للنصح.. ووفائك بوعد عدم تكرار (أخطائك).
وسوف يتضح لك -فيما بعد- أن هذه هي أسهل طريقة تضعك في مكان متميز في عقل وقلب أبويك.. أما إذا أوصلك (قرينك) إلى نقطة (اللاعودة).. و(كسرت) قلبيهما.. وخسرت (الثقة). عندها لا شيء يمكن أن يعادل (خسارتك).. لأن لا شيء يمكن أن يعادل حجم (الألم) الذي أحدثته في نفسيهما.. ليس فيما يتعلق بـ(الثقة).. لكن بحجم ألم (الجرح) الذي أحدثه نزولك من المنزلة التي وضعاك فيها.. ويقينهما من أنك لن تستطيع العودة إليها.. حتى بعد أن يسامحك ويغفر لك عدم قدرتك على تقدير أهمية المكان الذي وضعاك فيه.
أما على المستوى (الاجتماعي) الذي تكون قد نزلت فيه من مستوى (صادق) إلى كاذب ومن مستوى (أمين) إلى قليل ذمة ومن (وفي) إلى من لا يؤمن جانبه.. فإن هذه (حكاية أخرى) شرحها يطول ولا يكاد ينتهي لأنها تتنقل مثل (الفيروس) والعياذ بالله.
أما على المستوى (العملي) فهو أشد خطورة لأنه هو الذي يجمع (الثلاثة) حتى وإن بدا (ظاهرياً) غير كذلك.. ذلك أن ثقة (الوالدين) لا يمكن أن تكتمل فيمن يخون أمانة عمله وإن بدا أنه تجاه والديه نفس (الشخص) الذي أحسنا تربيته وأحسن استثمارها.. لكن كيف يكون ذلك أمراً حقيقياً.. إذا كان في (عمله) كاذباً ومرتشياً لا ينال كل من يعمل معه أو يقترب منه سوى (الأذى) ظلماً وزوراً وبهتاناً.
.. وبعد
لم أكن أنوي كتابة أي شيء من هذا الذي تقدم، كل ما في الأمر أن (رأسي)كان مزدحماً بفكرة (الثقة).. وأنني أردت طرحها للحديث عن (وزارة الإعلام).. والمشكلة التي أعتقد أنها تعاني منها وبشكل (مرضٍ).. ففي ما يتعلق بالتلفزيون -مثلاً- كان الناس يتندرون يسمون قنواته (التلفزيون السعودي غصب)، ثم انصرفوا عنه بوجود بدائل أفضل.. والآن أصبحت مشكلته هي (كيف يستعيد ثقة المشاهد)..؟!
وكيف يمكن تحقيق ذلك والمشاهد إذا أراد أن يعرف أخبار البلد يجدها في الـ(MBC والعربية والحدث) مثلاً.. وكيف تدار أخبار المناطق أو المحافظات ولا يوجد لدى التلفزيون الرسمي (مندوبون) ينقلون أخبار الناس من (الشارع) وليس من مكاتب المسؤولين.. وكيف أن قنوات التواصل تعج بالموهوبين والمضرين على السواء؛ لأن الناس لا يرون في التلفزيون السعودي أنفسهم.. ولولا رعاية واهتمام زين شباب العالم وليّ العهد محمد بن سلمان بمناطق مثل (العلا) وغيرها.. لما كنا سمعنا أو عرفنا عنها شيئاً عن جمالها وأهميتها السياحية والتاريخية.
و(الثقة) التي أذهب إليها تبدأ بإعادة ربط البلد (في عمومها) بقناة حيوية تجعل الناس يرون أنفسهم وتنقل عنهم مشاكل مناطقهم وتبرز أخبار أنشطتهم.. وتتنقل لتحيي أنشطة متنوعة ودورية هم أبطالها ومادتها.. في محاولة لاكتشاف المواهب وإبرازها وفي نشر مشاكل مناطقهم لمساعدة المسؤولين على الإسراع في حلها.
بمعنى أن يصبح التلفزيون.. هو تلفزيون (كل السعودية), وليس مجرد قنوات بث موجهة لمشاهدة مباريات كرة القدم المحلية, التي يحرص على نقلها من مواقع إقامتها دون أن نعرف أي شيء عن ما خلف سور ملعب المباراة.. وأعتقد أن البداية يجب أن تكون بحسن استثمار القنوات الرياضية قبل مواعيد بث المباريات, لوجود أعداد كبيرة تتحلق حولها في تلك الأوقات خاصة وأن دوري الأمير محمد بن سلمان للمحترفين جاء منذ البداية حاملاً الإثارة والتشويق والنتائج غير المتوقعة، قياساً لوضعها التقليدي في المواسم الماضية.