عمر إبراهيم الرشيد
ما أكثر ما نؤجِّل مهامنا وأشغالنا الصغيرة سعياً واهتماماً بالكبيرة، ظناً منا أننا نستطيع إنهاءها وقتما نشاء، وقد يكون هذا صحيحاً أحياناً، لكننا نفاجأ وفي غمرة مهمة أكبر أننا لا نستطيع إتمامها لأننا ببساطة أهملنا شيئاً صغيراً لا تتم مهمتنا الكبيرة إلا به. في عام 2014 قدَّم الأدميرال وليام مكريفن -وهو قائد في سلاح البحرية الأمريكية - محاضرة في جامعة تكساس في حفل تخرّج دفعة من طلابها، وهي خلاصة تجربته العملية والدروس التي تعلّمها في حياته العسكرية والعامة. يقول الأدميرال وليام مخاطباً الخريجين الذين يستعدون لخوض غمار الحياة العملية، ابدءوا يومكم بالمهام الصغيرة فهي تقودكم وتشجعكم على إتمام الكبيرة، فإذا نهض أحدكم من سريره في الصباح فليرتبه، فهذه المهمة على بساطتها إلا أنها تمنح شعوراً ببداية يوم يتسم بالإنجاز والطاقة الإيجابية. يتحدث هذا الأدميرال عن البحرية والتدرب والعمل فيها وكيف استفاد منها وممن قابل وتعامل معهم، فنفعته تلك الدروس، من العزم والمثابرة واحترام النظام والشجاعة، وغيرها من القيم التي تجعل من المرء إنساناً ناجحاً ومؤثٍّراً في مجتمعه ووطنه. جمع هذا القائد العسكري تلك التجربة الثرية في كتاب أسماه (رتب سريرك) وصدر في 2018 وقد ترجم إلى عدة لغات من بينها العربية، مقدِّماً فيه نصائح عملية وبسيطة ليوم مفيد ومنتج وبالتالي إحداث التغيير في المحيط المباشر والعالم أيضاً. تستوقفني هنا خاطرة، وهي أن إصدار الكتب لديهم في أمريكا أمر لا يقتصر على الأدباء والعلماء وأصحاب القلم من كتَّاب وصحافيين، بل هو أمر يقدم عليه حتى أرباب السوابق والسجون المتعافون والذين غيَّروا من أنفسهم، بل إنه قد يصدر كتاب لفتاة وقعت ضحية اعتداء لتسرد قصتها الواقعية، ويجدر التذكير بأنه ورغم كون أمريكا حاضنة التقنية العالمية إلا أن الكتاب والمطبوع تحديداً ما زال يحظى بمكانته المعتبرة، فالقراءة لا تزال بخير عندهم رغم الثورة الرقمية. كتاب (رتِّب سريرك) تجربة ثرية يقدِّمها قائد عسكري بحري، فيها دروس وعبر، والحكمة ضالة المؤمن أنىَّ وجدها فهي له، فاقرءوا ففي القراءة ارتقاء وصقل للنفوس والنُّهى، إلى اللقاء.