محمد آل الشيخ
في المكالمة التي انتشرت بين حاكم قطر السابق حمد بن خليفة والرئيس الليبي السابق معمر القذافي، كان حاكم قطر (يُفاخر) أن بلده هي أكثر الدول إزعاجاً للمملكة. الإزعاج وحرق جسور التواصل التاريخي بين الشعبين، لا يمت للحصافة، فضلاً عن الكياسة السياسية بأيّ صلة، فقد كان من نتائجه أن أصبحت دويلة قطر معزولة مهمشة عن عمقها الجغرافي، وصار القطري أينما التقى بمواطن من دول المقاطعة، يُظهر له -بسبب أو من غير سبب- أن الخلافات السياسية بيننا وبين حكومته يجب ألا تفسد للود قضية؛ وهذه مهما حاول القطريون إخفاؤها توحي بالاعتذار المبطن، وكأنَّ لسان حاله يقول: (هذا جناه حمد عليَّ وما جنيت على أحد).
وأنا في أحايين كثيرة يتجاذبني شعور أن أحدهما شعور إنساني مؤداه أن القطري كفرد ليس مسؤولاً عن حماقات قيادته، ولذلك لا يُلام؛ أما الشعور الثاني فمقتضاه أن القطريين بإمكانهم (الضغط) على حكام دويلتهم بالشكل الذي يجعلهم ينصاعون إلى التعقل، ويحافظون على علاقاتهم مع عمقهم الجغرافي والعربي، وبالتالي فهم يتحملون جزءاً من المسؤولية في ما يمرون به من عزلة وتهميش ومقاطعة.
أحد الزملاء يختلف معي، ويقول: أنت بهذا المنطق تحملهم مسؤولية ربما أنهم بريئون منها.. ويواصل: حمد عندما استدعى الكتيبة التركية، وسلمها مسؤولية حمايته وحماية حكومته، ربما أنه بهذا التصرف كان يقاوم الضغوطات التي تأتيه من أهل قطر، ومن بقية أسرة آل ثاني الحاكمة، لذلك فلعل لهم عذرٌ وأنت تلومُهم.
وعلى أية حال فإن هناك كثيرين يذهبون إلى أن حمد هو حاكم دويلة قطر الفعلي، وليس تميم إلا (خيال مآتة) لا يهش ولا ينش؛ فأغلب خيوط السلطة، إذا لم تكن كل السلطة في يد الأب. كما أن حقد حمد على المملكة والإمارات والبحرين وكذلك مصر يعود إلى أنه كشر عن أنيابه في ما يُسمى الربيع العربي، وإذا هي في النهاية (أنياب من بلاستك)، لذلك فإن شعوره الآن هو شعور ذلك العربي الذي غدر وخان أهله وذويه، وانكشف قبل أن يصل إلى مبتغاه، فاعتزل في بيته عسى ولعل أن تلوح له فرصة ثانية.. وفي تقديري أن من يقول بهذا القول يفترض أن تميم مراقب من قبل والده، وأخشى ما يخشاه الأب أن يكرر فيه ما فعله حمد بوالده، حين انقلب عليه، وطالب بتسليمه عبر الإنتربول -(البوليس الدولي)- في حركة تحمل من العقوق ناهيك عن الدناءة ما الله به عليم.. لذلك فتميم ما زال في مقتبل العمر، وسيؤول كرسي حكم الإمارة إليه في النهاية، وهو على ما يبدو ليس في عجلة من أمره، أضف إلى ذلك أن أيّ محاولة انقلاب على والده يكتنفها مخاطرة قد تكون سبباً لإقصائه عن الحكم نهائياً، واستبداله بغيره من إخوته، ولن يعدم الأب اختلاق الأسباب والمبررات طالما أن القوة العسكرية والأمنية ما تزال تحت إمرته.
وعلى أية حال فإن الخاسر الأول من المقاطعة، هو الشعب القطري، فهذه المقاطعة وإمعان السلطات القطرية في تحدي الدول الأربع، أظهر المواطن القطري بمظهر الفرد المنبوذ، الذي يسعى إلى الإيذاء، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فعامة الشعوب الخليجية لا تفرق بين ممارسات الشعوب وممارسات قادتها.
إلى اللقاء،،،