حاورها - محمد المرزوقي:
* كيف ظهرت مكة المكرمة في الرواية السعودية؟!
سؤال تفرعت منه (أسئلة) هذا الحوار مع الناقدة والكاتبة الأكاديمية الدكتورة خلود بنت سفر الحارثي، أسئلة تضع الروايات السعودية على مفترق طرق الوصول عبر الرواية إلى مكة المكرمة، الطرق التي سيسلكها قراء الرواية إلى مكة، ما يجعل من المكان أول (رهانات) السرد، بوصفه بطلاً «موازيًا» لأبطال الروايات، بدءًا بأول عتباتها المتمثلة في عناوينها، وانتهاءً بالمدى الذي ستصل بالقارئ إليه، في مواجهة بين خصوصية المكان، ومرايا السرد، التي استهلت خلود الحديث عنها، في حوارها لـ»المجلة الثقافية»، قائلة: بالاطلاع على عدد من الروايات التي اتخذت من مكة المكرمة مكاناً لها، نجد أن صورة مكة المكرمة في الرواية لم تكن صورة نمطية جامدة باهتة بل كانت صوراً متنوعة متعددة فاعلة.
أما عن الإنسان المكي، فقالت الحارثي: ظهر الإنسان المكي سواء كان المرأة المكية، أو الرجل المكي، بصور متعددة مثل صورة الأم التي لم تتغير في الروايات عن صورتها المألوفة التقليدية الطبيعية، وصورة الزوجة التي تتراوح بين الطاعة الكاملة للزوج والمشاكسة والتمرد عليه، في حين ظهرت صورة الأرملة مختلفة بحسب ظروفها الاجتماعية والاقتصادية، أما الفتاة بشكل عام فقد أبرزت الروايات مشكلاتها من عدم التعليم في وقت سابق - في الروايات القديمة - لعدم تمكنها من التوافق مع بعض عادات مجتمعها التي ليس لها أصل في الدين.
وإذا ما اقتربنا لنسأل عن صورة الرجل المكي عبر أبعادها الاجتماعية والجسدية والنفسية، فيما استقرأته خلود؟، قالت: في الأبعاد الاجتماعية ظهرت شخصيات مركزية مثل التاجر، والمطوف، والمدرس، وشخصيات هامشية، مثل: الشاب المكافح والطالب المشاغب والداشر، وفي البُعد النفسي ظهرت الصور متنوعة لشخصيات متوترة كانت تحتل أدواراً بارزةً في الروايات، أما صور البعد الجسدي فكان التركيز عليها متواضعاً من قبل كتاب الروايات عامة.
وبمغادرة قطبي المجتمع (الرجل/المرأة)، إلى دائرة المجتمع المكي، لمشاهدة صورته في الروايات عن مكة، قالت خلود: ظهر في الروايات صور متنوعة عن مكة المكرمة، برزت من خلالها مدينة عالمية يوجد على أرضها من كل أجناس العالم، ومع ذلك لها خصوصية نشأت من تمازج تلك الأجناس واختلاطها مع الإرث الديني والتاريخي والحضاري للمكان، ظهر ذلك من خلال الظواهر والعادات الشائعة فيه مثل: تنوع السكان، والانتماء للحارة، وعادات الطعام والشراب والفنون الشعبية من أهازيج وألعاب شعبية، والطب والمعتقدات العامة وصورة المنزل المكي القديم، والتعليم.
وعن أبرز مقومات بطولة المكان، تأتي خصوصية الماكن بوصفه المكان «المقدس»، الذي يصنع الفارق في المكان، ويحيلنا إلى سؤال: كيف ظهرت قدسية مكة في الروايات؟ الذي أجابت عنه الحارثي، قائلة: ظهر عبر المكان المقدس صورة الحرم المكي الشريف من خلال الدور الديني والروحاني والعلمي الذي اطلع به المسجد الحرام، وكوّن تميز مكة المكرمة، كما ظهر الحج من خلال صور أبرزت الاختلاف بين الرؤية التي يحملها كل ساكني مكة عن الحج كموسم اقتصادي وروحي، والقادمين له من خارجها تحفهم روحانية رحلة العمر.
وفي إطلالة على روايات تعالق فيها (الاسم/ مكة)، مع (الوسم/العنوان)، الروائي، عن مدى انعكاس العنوان في فكرة الرواية، وامتداد العنوان عبر عناصرها البنائية، قالت خلود في هذا السياق: تبين تفاوت حضورها بين الحضور القوي الفاعل ممثلاً في سقيفة الصفا والحفائر تتنفس، والحضور الأقل قوة مثل عناوين: بنت الجبل وجبل السبع بنات، والحضور المتواري خلف الكناية مثل طوق الحمام، وعدم الحضور لأي من أمكنتها في العناوين أمثال: ثمن التضحية، وتقاطع، واليد السفلى وغيرها.. مضيفة الحارثي فيما يتصل بهذا الانعكاس في المتن الروائي المكي، قولها: تنوعت الصورة «مكة» عبر المتن الروائي، التي يمكن تصنيفها في الصور التالية: صورة المدينة التاريخية، وصورة المدينة المقدسة، وصورة مدينة العلم والثقافة, وصورة مدينة الاقتصاد والتجارة، وصورة مدينة الحياة اليومية، وصورة المدينة المؤنسنة. كما كان للعلاقة بين مكة المكرمة ومكونات السرد وقفة تساؤل مع خلود، التي قالت عن هذه العلاقة: على سبيل المثال لا الحصر، نجد الشخصية التي ظهر فيها مدى أثر مكة في بعض شخصيات ساكنيها وتطورهم من خلال السرد، وعلاقة مكة المكرمة باللغة، التي يظهر من خلالها اللهجة المكية والأمثال والأهازيج الشعبية، وعلاقة مكة المكرمة بالزمن، حيث كانت أغلب الروايات تتناول مكة بتقنية الاسترجاع بما يحمله من دلالات الحنين إلى حارات مكة المكرمة القديمة، وهنا تظهر وظيفة جديدة للرواية وهي حفظ ذاكرة المكان، ليظل السوق الصغير وسقيفة الصفا والمدعى وغيرها خالدة في ذاكرة الروايات.