فهد الحوشاني
عندما دخل نايف إلى الصالة التي خصصت لحفل المعايدة شعر بصعوبة مهمته، وبلا تردد راح يعد الخدود التي يجب عليه أن (يقبلها) !! لم يكن يحب أن يطبع قبلات فوق خدود غريبة عنه !! ما يزال يرى أن القبلة بجميع أنواعها، ما هي إلا تعبيراً عن عاطفة حقيقية تجاه شخص تربطه معه علاقة (خاصة)، القبلة بين شخصين هي (توقيع) يترجم علاقة متفردة تختلف بحسب موقعها من الجسد، فقبلة على الرأس تختلف عن قبلة على الخد أو فوق الجبين وهكذا ! وتختلف رائحة القبلة وطعمها ولونها بحسب العلاقة مع الآخر، ولذلك بعض القبل ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة بل ليس لها داع من (الأساس) !! هكذا كان يردد بينه وبين نفسه ! قبلة على رأس الأب تختلف عن قبلة على خد الابن أو الأخ أو الزوجة ! فالقبلة أصبحت تطبع على الوجه والرأس واليد والقدم وغيرها من الأعضاء ! وفي خضم هذا التفكير وسط ذلك (الجحيم من القبل) الذي يجري أمامه ! قال في نفسه، هؤلاء جمع من الزملاء لا أعرف حتى أسماء البعض، سأكتفي بالمصافحة، راقت له الفكرة، رسم ابتسامة صفراء (ماطا) شفتيه و(مادا) يده اليمنى، ثم تقدم إلى الأمام لتنفيذ الخطة، ولكي تكتمل خطته، أرجع رأسه إلى الوراء قليلاً، لكن فكرته باءت بالفشل في أول اختبار، فقد سحبه أول المعايدين باتجاهه، وراح يقبله مصدراً أصواتاً مسموعة، بعضها في الهواء والبعض الآخر بجوار أذنيه! حاول أن يستجمع شجاعته ويبدأ التجربة مع شخص آخر، لكن نفس السيناريو تكرر ونفس الكلمات سمعها (من العايدين، كيف حالك وشلونك، وش أخبارك؟) لم يعطِه (المعايدون) فرصة الإجابة فهذه الأسئلة لا تحتاج إلى إجابات، بل تحتاج إلى أسئلة مضادة وبنفس القوة! بعد أن أنهى (واجب) المعايدة، دخل إلى مكتبه خالجه شعور مريح، فقد وفق في أداء المهمة حسب الأصول، فالخروج عن العادات والتقاليد مرفوض ! فلكي تحصل على بطاقة العضوية لابد أن تضع نفسك مع ما تقرره الجموع ! فجأة دخل عليه أحد الأشخاص الذي قبله عدة مرات في صالة المعايدة وهو يقول له: (الظاهر أني ما عايدتك!!) فاسلم خده له، وراح معايده يقبله ذات اليمين وذات الشمال ويردد الكلمات المعهودة: (من العايدين، كيف حالك، وش أخبارك، كيف الأهل) !! وبعده بقليل دخل العم سالم ماداً يده اليمنى ومبرزاً وجهه للأمام، عرف نايف ما هو المطلوب، فوقف مستسلماً، لكن العم سالم لم يقبله كما فعل الآخرون، بل فاجأه بطريقة مختلفة، تتمثل في وضع (الأنف على الأنفوبعد مغادرة العم سالم باحثاً عن آخرين في المكاتب المجاورة، وجد نايف على أنفه آثاراً لرطوبة و(لزوجة) عندها تأكد أن العم سالم كان يعاني من (رشح) شديد !!