عبدالمحسن بن علي المطلق
لا ليس مادحا (و إن كان هذا جانبًا من وجاهة ما بلغ) بل سببا في امتطائه مراكب للبعد شأوا عن غيره من الشعراء الكثير يلمز أبو الطيب بالتكسب بالشعر وهذا الجانب (مجرداً) حكم فيه ظلم لإبداعه!
إذ حتى إن ذاك - التكسّب- فإنك واجد فيه نسج لم يُسبق إليه هذا الذي طوّع الشعر.. وبكل اقتدار لما يرومه فلو أخذت قصائد له، كـ(المراثي) وهي التي فيها خلوص العاطفة، والصدق في المدح.. لوجدتها تزخر بإبداعات تحسبه لم يسبق إليها، خاصة وهي تتحدث عمن انتقل لعالم آخر، فلم يعد يرجى منه شيء! لا رغبة بما لديه ولا رهبةً من عضديه لأدركت أن ذاك التكسّب جانب وقد يكون قليلاً بميزان قصائد خلّدها الدهر، ولا غرو فالعرب ساقت فأوجزت في التفريق بين النائحة الثكلى وتلك المستأجرة - المتصنِّعة!-
و قد أوجز أحمد المطرودي حول (تكسُّبُ المتنبي بشعره جاء بعد أن أحكم نصوصه.. بمعنى أن التكسب لم يدخل النص ولم يفسده ولم تكن هناك قيم نفعية أخلاقية يستهدفها المتنبي بشعره..) ... إلخ
المثال للتقريب فيتضح المراد والمقال معاً:
قال يمدح (راثياً) أبا أيوبَ أحمدَ بن عمران:
وبالمناسبة (إن الأرقام التي بعد كل بيت هي ترتيبها بمجمل القصيدة.. ) نحو 50
بيتاً.. و ها هنا أوجزتها منها - اختياراً-:
منذ..أَقْبَلْتُهَا غُرَرَ الْجِيَادِ كَأَنَّمَا
أَيْدِي(بَنِي عِمْرَانَ) فِي جَبَهَاتِهَا21
إلى أن يعلو في البناء فيبلغ/
لَا نَعْذِلُ الْمَرَضَ الَّذِي بِكَ شَائِقٌ
أَنْتَ الرِّجَالَ وَشَائِقٌ عِلَّاتِهَا38
وَمَنَازِلُ الْحُمَّى الْجُسُومُ فَقُلْ لَنَا
مَا عُذْرُهَا فِي تَرْكِهَا خَيْرَاتِهَا40
أَعْجَبْتَهَا شَرَفًا فَطَالَ وُقُوفُهَا
لِتَأَمُّلِ الْأَعْضَاءِ لَا لِأَذَاتِهَا42
وَبَذَلْتَ مَا عَشِقَتْهُ نَفْسُكَ كُلَّهُ
حَتَّى بَذَلْتَ لِهَذِهِ صِحَّاتِهَا43
حَقُّ الْكَوَاكِبِ أَنْ تَزُورَكَ مِنْ عَلٍ
وَتَعُودَكَ الآسَادُ مِنْ غَابَاتِهَا44
وَالْجِنُّ مِنْ سُتُرَاتِهَا وَالْوَحْشُ مِنْ
فَلَوَاتِهَا وَالطَّيْرُ مِنْ وُكْنَاتِهَا45
ذُكِرَ الْأَنَامُ لَنَا فَكَانَ قَصِيدَةً
كُنْتَ الْبَدِيعَ الْفَرْدَ مِنْ أَبْيَاتِهَا46
فِي النَّاسِ أَمْثِلَةٌ تَدُورُ حَيَاتُهَا
كَمَمَاتِهَا وَمَمَاتُهَا كَحَيَاتِهَا47
.. فَالْيَوْمَ صِرْتُ إِلَى الَّذِي لَوْ أَنَّهُ
مَلَكَ الْبَرِيَّةَ لَاسْتَقَلَّ هِبَاتِهَا49
...
الخلود/
ألا..ف/اسأل داخلك عن كم من وجيهٍ
-غني ّ.. أو ذا صيت أو مقام -تمنى
أن يقال به مثل هذا؟ و لو بشطر ما ملك!
فكم ذُهلت كثيرا و أنا أقف أمام مدلولات
بعض هذه الأبيات
.. إذ قضيت وطرا من بحوثي في رباض
الشعر و بالذات شعره..حتى أخرجت
يومها كتابي عنه (فارس الكلمة)..
لكنّ تجدد لي منه إعجاباً حين تعمقت
بهذه (القصيدة)
فتعجبت كما تعجب من شاعرنا القور والإكمُ.. يوم كان يقطع البيداء و يعدو البيادر لعزة نفس..تنازعه عن مقام به الضيم
أو على المهانة فهذا الجانب (وحده) الذي يجعلني أعجب عجيب لم يجد فوق أبداعه (بالشعر)
من مزيد.. بمدحه، وأتسامى عن فصيل نعتوه بالمدّاح، فهذه - وحدها - تثلبه.. في إخبات هذا الذي كالنار (على علم الشعر) بلغه أبو الطيب
الشرح:
لا يستوفيه بضاعة محدّثكم لكن سوف أحاول أوقفه-طرّا - في الأبيات التالية، و كذلك سوف أوجز في التماهل (شرحاً) على بعض ما تجلى من جميل نسجه مما سأضعه أمام»تقريب»
وليس شرح ..كل بيت/42 يقول إن المرض -الحمى -معذور الوقوف عليك إعجاباً بك 44 وجب على الكواكب أن تنزل من عواليها لتزورك 45 والجن مما يسترها، و الوحوش من الصحراء، و الطير من عشّها 46فإن كان الأنام(كل الخلق)مثل»القصيدة» فأنت الدرّ -أو بيت القصيدة- من أبيات تلك القصيدة 48 فالناس تكاد تترك النكاح لأنها أيقنت أنها لن تتأتي بمماثل، فتركت البنات موفورة على الأمهات 49 لكنك اليوم (يوم وفاتك) وقد صرت إلى إليه الفنا، والذي لو كانت الخليقة ملكًا له - الفناء- ثم وُهب من دونك لاستقلّ ذلك.. بالقياس في أي عوض عن قبضك !