د.عبد العزيز الصقعبي
أشعر بالخوف كلما اقتربت منك، ليس بسبب أنك سيء، مطلقاً، ولستَ بإنسان له هيبته واحترامه، أبداً، ولكن أشعر أنك تشبه المرآة لي، ليس لشكلي الخارجي بل لأعماقي، كل ما هو غير مشاهد ومرئي للآخرين.
لذا فأنا أحاول أن ابتعد عنك، ولكن بكل صراحة لا أستطيع، ربما عندما كنت صغيراً لم أفطن لوجودك، لم انتبه لوجودك إلا بعد أن شعرت بأنني مسؤول عن أمر ما، لا أذكره الآن ولكن حينها رأيتك تنتظر آراء الناس حول قدرتي على تحمل المسؤولية، لحسن حظي وأنا حينها في سن اليفاع، سمعت الجميع يثنون علي، مشيرين أنني أصبحت رجلاً يعتمد عليه، لا حظت حينها ابتسامتك، كبرت معي وكل عام بدأت ملامحك تتشكل، كتغير ملامحي، أمرض أحياناً، وابحث عنك لأتأكد هل أنت مريض مثلي، أجدك تراقب ما سأفعله، هل أتجاوز العارض الصحي أم أستسلم له، هل تنتظر موتي، ربما، لأني أشعر أن مهمتك مراقبتي، وتنتهي هذه المدة بنهايتي.
ربما في البداية لم أعرك أي اهتمام، تصرفت بتلقائية مطلقاً دون أن أشعر بأن هنالك من يتابعني ويتتبع كل تصرفاتي، لا يهم أن أنجح أو أفشل، لا يهم أن يسخر مني الناس أو يشيدوا بتميزي، حتى وصلت لمرحلة احتاج فيها أن أخلد إلى نفسي كثيراً، أن أدون بعضاً من سيرتي، فوجئت وأنا أكتب أنني خارج السياق، بدأت أكتب عنك، عن اللحظات السعيدة التي عشتها أنت بأدق التفاصيل، أكتبها وأنا أعرف تماماً أنني لم أعشها، بل عشتها أنت، كيف أكون في مكانين في وقت واحد، كنتُ مريضاً في مستشفى وأنت في حفل راقص، لا أدري من هو المريض حقاً أنا أم أنت، ومن هو المبتهج بأهازيج المغنين وصوت موسيقاهم الصاخبة، أنا أم أنت، كيف أجد نفسي مبتهجاً ودرجة حرارتي مرتفعة، وجسدي موصول بأجهزة العناية المركزة، كيف أرقص والخدر يسري في جسدي، كيف تحاصرني ألوان الفرح، وكل ما يحيط بي ذلك البياض الكئيب، الذي سيتحول تلقائياً إلى كفن.
لكي أبقى لا بد أن أبتعد عنك، لكي أشعر بأنني حي لابد أن أزيحك عن طريقي، ولكن كيف ومشاعرنا مختلطة، المشكلة أنني لا أفطن لك إلا عندما أكون وحيداً، أجدك تراقبني، تتأملني ملياً، وبالذات عندما أقف عند مرآة لأصلح هندامي أو لأحلق ذقني أو لأغسل وجهي، لا أستطيع أن أصف ملامحك، ولا أستطيع أن أسمع صوتك، ولكن أعرف أنك موجود، وتتعمد أن تكون حاضراً بالذات عندما يغيب جميع من حولي من الأهل والأصدقاء، وعندما أكون محتاجا أن أكون وحيداً، أو حين يفضل الجميع أن أبقى وحيداً لأخلد للراحة، وهم لا يعرفون مطلقاً أنني لن أكون وحيداً بسبب وجودك معي؛ ما يؤلمني أن الجميع لا يعرفك، ولم يرك أحد منهم، وأنا أعرف أنك تعرفهم جميعاً، وربما هنالك من يشبهك ويشبههم معهم، ولكن لم يخبرني أحد بذلك، حتى أقرب الأصدقاء، عندما حدثته عن سأمي من تواجدك الدائم معي، قال « كلٍّ عليه من زمانه واكف»، لم يحدثني بتفاصيل معاناته، بل اكتفى بما قاله، وأنت أيها الواكف متى الخلاص، أعرف أن المطر مهما كان غزيراً، دقائق أو ساعات ويتوقف وينقشع الغمام، ولكن أشعر أنك غمامة سوداء، تزداد قتامة مع الوقت، وتبقى في سمائي تتابعني أينما كنت، أحتاج كثيراً أن أسترجع مراحل حياتي لأكتب بصدق سيرة خاصة لي، ولكن لا أقدر، لأنني لا أتذكر إلا سيرتك، حياتك، جميع مراحل عمرك، أعرف كل تفاصيلها الدقيقة التي أثق أنني لا علاقة لي بها، هي حياتك أكتبها بصور مختلفة، أنت دائماً البطل في كل مشاهدها، وأنا المتفرج الوحيد، حين أكتبها، ربما سيشاركني كثير من القراء عند نشرها، ولكن فعلاً لماذا أنت البطل دائماً، لماذا تجعلني أخاف منك، وأعرف أنك تراقبني، و تعرف كل تفاصيل حياتي لتمليها علي بعد أن تعيد صياغتها لتكون حياتك الخاصة، هل أتوقف عن الكتابة وأمارس فن اللامبالاة، ولكن صعب ذلك، لأن الكتابة حياة.