سُرى بنت عبدالله العليان
تتكرر نفس المواقف، وعندما تعيد المواقف نفسها، تتكرر نفس الأخطاء، إذ كثيراً ما تتوالى علينا تجارب الحياة المؤلمة، وتعصف بنا ذات الخبرات المؤذية فنعيد بدورنا ردود الأفعال نفسها ونكرر الاستجابات ذاتها وكأننا عاجزون عن اتخاذ قرارات مختلفة!.. ولعل المفارقة العجيبة هي حين نقنع أنفسنا -بعد أن أشبعنا الموقف تفكيراً وتحليلاً- أن الظروف هذه المرة «مختلفة» رغم إدراكنا في العمق مدى ارتباط العلاقة بين تجربتنا الأولى والثانية والثالثة وأن هذه الأخيرة ليست مختلفة كما نزعم.
في المجمل؛ نحن نتخذ موقفاً حين نتألم، لكنه لا يتجاوز ردود الأفعال اللحظية المؤقتة -بصورتها الإيجابية أو السلبية- ففي حالة الخيبات المتكررة مثلاً، قد نغضب ونصرخ ونهدد وربما نؤذي وننتقم، وقد ننسحب أحياناً فنحزن ونبكي ونتجنب، لكننا لا نتغير ولا نتخذ موقفاً حاسماً، رغم يقيننا التام بضرورة ذلك! فتمضي سنة تتلوها سنوات وأرواحنا المسكينة مسحوقة بين مطرقة السؤال وسنديان الأُمنيات.
ونردد في داخلينا دوماً؛ «لماذا نعاني؟» «إلى متى تستمر المعاناة ؟!» «لو أني تعلمت من تجاربي!» «يا ليتني أستطيع أن أتغير!».
لماذا لا نتغير؟.. حتما ستختلف التفسيرات وتتنوع التبريرات، فليس أصعب على الإنسان من مواجهة الحقيقة الموجودة بداخله؛ سيعزو البعض معاناته لورعه واحتسابه، فالبلاء وفقاً لمفهومه ثمرة لإيمانه، فلا عجب إذن أن يجذب المزيد من المعاناة في حياته، في حين يتظاهر البعض الآخر باللامبالاة، فيضاعف جرعات اللهو في حياته؛ ليبرهن بذلك عدم اكتراثه بالمعاناة، وقد يرى البعض أن العلاقة بين طيبة قلبه ومعاناته طردية، ووفقاً لحساباته فإن الاستسلام ضريبة درب السلام!.. ومن المثير للدهشة حين يحاول أحدهم إقناعك أن التجاهل هو العلاج الأمثل للمعاناة، متوهماً أن ذلك التجاهل ليس إلا حكمة وأناة، ويبقى التفسير الأسوأ -من وجهة نظري- حين يقتنع المرء بأن ضعفه وقلة حيلته وعجزه هي أسباب معاناته.
على كل حال.. نحن نقاوم التغيير لأسباب عديدة حتى درج على ألسنة العامة الدعاء بـ«اللهم لا تغير الحال» وفي ذلك جزء من الحكمة فالكثير من الأمور في الحياة لا تحتاج سوى أن تتقبلها، وأن تتصالح معها، أما في حال تطلعك إلى التغيير، فالله تعالى يقول: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، فابحث دائماً عن ما هو بحاجة إلى التغيير في نفسك.
يتطلب التغيير مرونة في التفكير، إضافة إلى بذل الجهد والاستمرار فيه، مع الأخذ بالاعتبار أن التغيير الواعي؛ سيَحدُث بشكل جزئي وتدريجي، أيضاً عليك أن تتقبل أن ليس كل تغيير سيُحدِث فرقاً واضحاً في سماتك الشخصية أو يغير من طبيعتك بالتعاطي مع الأشياء والأحداث من حولك، كن مدركاً لأفكارك، واسمح لنفسك أن تعيش حالاتك المزاجية المعتادة، وانفعالاتك اليومية كما هي، ولا تخجل حين تظهر مشاعرك الطبيعية، فقط كن واعيا لها وتعلم كيف تتعامل معها دون أن ترتبك، وتذكر أن رغبتك في التغيير حق مشروع لا يجب أن تسبقه تجربة مؤلمة أو نقطة تحول مأساوية، يكفي أن تنزعج أرواحنا ولو قليلاً، حتى نبادر ونسعى إلى التغيير.
يقول فرويد: «الجنون هو أن تكرر نفس الفعل بانتظار نتيجة مختلفة» بلا شك أن أسلوبنا في حل المشكلات يكون أحياناً السبب وراء إخفاقاتنا المتكررة، ولكن ماذا لو مررت بتجربة رغبت فيها بنتيجة ما وسلكت لتحقيقها جميع الاتجاهات ونوعت في سبيلها جميع الدروب وطرقت لأجلها جميع الأبواب ثم لم تصل إلى النتيجة المنشودة؟!.. هل كان فرويد مخطئاً؟!.. ماذا لو كان فرويد على صواب وتوصلت فعلاً إلى النتيجة المنشودة وربما حصلت على نتيجة أفضل من تلك التي رغبت بها ثم وجدت نفسك بعد مدة تتساءل: «ماذا بعد؟!».. لماذا لم أعد مهتم ؟» «هل هذا هو فعلاً ما أريد ؟!» «هل كان الأمر يستحق؟!».
لا شك أنك مررت أو سمعت عن تجربة من هذا النوع، وربما تساءلت ما الذي طرأ وماذا تغير وما الذي يحتاج إلى التغيير هذه المرة ؟!.
يحدث أحياناً أن تنقلب إحدى زاويا النافذة التي نرى منها الحياة فيحدث التغيير، ببساطة لقد اتسعت الزاوية فأصبحت الرؤيا أوضح، ومن الطبيعي أن يكون انقلاب الزاوية قد هز مجموعة القيم بداخلك، لا بأس، جرب إعادة ترتيبها بوعي وكن أكثر صدقاً مع نفسك وأشد انتباها إلى مدى تأثير الأشخاص من حولك عليك ولا تُغفل الأحداث المتكررة في حياتك، فأنت تدرك الآن ومن خلال التجربة أن الحياة لن تقدم لك ما لم تعطيها.
بعد إعادة ترتيبك للقيم ستتفاجأ بكونك أكثر فهما لذاتك وللآخرين وستحترم نفسك ومن حولك أكثر وتتفهم اختياراتهم وتتقبل اختلافاتهم وستكون أكثر انسجاماً مع طبيعتك البشرية وستدرك يقيناً أن التغيير ليس محصوراً بمظهرك الخارجي أو سماتك الشخصية، وسيساعدك إعادة ترتيب القيم بامتلاك رؤية واضحة تجعلك تحدد أولوياتك وتُثمِّن قيمة اختياراتك بما يحد كثيراً من معاناتك؛ ذلك أن صاحب الرؤية الواضحة تتجلى أهدافه بسلاسة ويختار حروبه بعناية فلا يعود بحاجة لتراجيديا النزاعات والتضحيات، مستعيضاً عن ذلك بامتلاكه حدس خاص يساعده بتحديد ما الذي يمكنه التنازل عنه وما الذي هو بحاجة للتمسك به.