عبدالمجيد بن محمد العُمري
الأستاذ الجامعي والأديب اللوذعي والوزير الهمام والسفير المقدام، ألقاب ارتبطت جميعها بمعالي د. غازي بن عبدالرحمن القصيبي - رحمه الله - يضاف لها أوصاف أخرى كالصادق والأمين والمخلص والمبادر وقبل ذلك الإنسان.
وفي كل مجال عمل فيه د. غازي القصيبي ترك بصمة وأثراً طيباً، يشكره عليه من عمل معه ومن كان له صلة بهذا العمل من الجمهور والمستفيدين، ولكن الذكر الحسن سيبقى عند رب العالمين، وأكاد أجزم لو أن غازي القصيبي أدرك وسائط التواصل الاجتماعي والتقني الحديث (السوشل ميديا) لبلغ صيته أصقاع الصين ولأصبح مثلاً يحتذى ولطلب كتابه «حياة في الإدارة» في كل معرض كتاب ولربما صار مقرراً دراسياً في أقسام الإدارة وإدارة الأعمال وإدارة الموارد البشرية ولترجم بعدة لغات.
وما من عمل أداره غازي القصيبي إلا ورافقته الإثارة لا لشخصيته المثيرة بل لأنه وطن نفسه على أعمال ومنجزات لم يألفها الناس وبالرغم من كثرة المحبين له على ما أنجزه وقدمه فهناك نزر قليل من الشانئين له الذين تعارضت مصالحهم أو انقطعت بقدومه بل تعدى هذا الشنأآن إلى بعض الأضداد الذين غاضهم النجاح والبروز والحضور والحب من الناس و(قصيدة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة) مازالت حاضرة في ذاكرة الكثير من الجيل الذي عايش زمن القصيدة ودواعيها.
ولم يسلم الوزير القصيبي من المناكفات والمشاكسات والمداعبات مع الأدباء وأصحاب المصالح الذين جعلوا من الشعر وسيطاً لهم عند غازي القصيبي ليقضوا حاجتهم (بحجة أن الأدب والشعر رحم بين أهله) ولكن الأماني جاءت خلاف أمنيات الغواني كما يقال، فقد يكون الجواب معارضة شعرية طريفة يتناقلها السمار حتى الآن دون أن يتحقق الطلب على حساب الأولويات والأسبقيات.
ومن المشاكسات والمناكفات التي لا تنسى ماجرى بين غازي القصيبي - رحمه الله - وبعض المشايخ وغيرهم من المتحمسين حتى وصف بأنه الشخص الذي يمُثّل الشريحة العلمانية في بلاد الحرمين، والناطق الرسمي باسم العلمانية والتحرر والانفتاح والداعي إلى التبعية الفكرية الهابطة للغرب.
بلغت هذه المناكفات ذروتها بمقالات في مجلة اليمامة ثم أتبعها بإصداره لكتاب (حتى لا تكون فتنة) وقد كادت أن تحدث الفتنة بسبب هذا الكتاب، فقد أيقن البعض أنه بصدور هذا الكتاب وتعرض الدكتور القصيبي للمشايخ فقد تأكد لديهم ماكان يحمله غازي القصيبي من (فكر ليبرالي علماني) كما كان يتهم به ولطالما استشهدوا بمنشور صحفي تردد على ألسنة الكثير وهو (مقابلة القصيبي مع الـ»نيوزويك» في السبعينات الميلادية، والتي نسب إليه فيها أنه قال: إن الجزيرة لم تر النور منذ 3000 سنة)، وقد أحدث ردة فعل من قبل كبار المشايخ وفي مقدمتهم سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - ثم تلا ذلك لقاء غازي القصيبي بسماحته وتبيان حقيقة ماورد على لسانه وأكد على استحالة أن يقصد ظلامية العهد النبوي والعهود التي بعده، وحينما كتب القصيبي رثاء في ابن باز - رحمهما الله - أشار إلى ما جرى في تلك الحقبة كما أشار إلى عيادة ابن باز له وزيارته في منزله حينما علم بمرضه.
وأما الكتاب الذي ألفه القصيبي (حتى لا تكون فتنة) فقد مضى بخيره وشره وأظن أن القصيبي رحمه الله لو استقبل من أمره ما استدبر لما نشر الكتاب ولا ما سبقه من مقالات وعندي على ذلك دلائل وبراهين وأولها أن غازي القصيبي اعتذر مباشرة لأحد الدعاة الذين تناولهم في الكتاب وتحديداً في مقابلة مع مجلة (الأمل) الصادرة عن أحد الأندية الطلابية في الولايات المتحدة الأمريكية عام ????هـ، ومما قاله آنذاك لم أكن البادئ في الهجوم على المشايخ فهم من بدأوا، فرد عليه المحرر بأن الشيخ لم يتعرض لك فرد القصيبي قائلاً: (من هذا المنبر أعتذر له) وكان لديه الشجاعة الأدبية، الشاهد الآخر أن القصيبي أعاد طباعة كتبه السابقة إلا هذا الكتاب الذي لم يطبع مرة أخرى مع التأكيد أنه لو طبع عشر مرات رغم تقادم زمنه لنفد من السوق. عفى الله عن غازي القصيبي على بعض افترائه على بعض المشايخ واتهامهم بما ليس فيهم، وعفى عن من كتب من الطرف الآخر ممن اتهم القصيبي بالعمالة لأمريكا ومن ألف من القصائد مشبهاً إياه بأبي نواس ونزار وغير ذلك من الأوصاف، لقد حملت مقالات القصيبي مخالفات شرعية وأمور منكرة وللرجل حسنات ومواقف معلومة، لكن الرجل لا يبلغ به أبداً أن يقال عنه مثل هذه الأوصاف.
وعقب هذه المقدمة الطويلة أعود لأصل المقالة وعنوانها فغازي القصيبي رحمه الله، والده الوجيه عبدالرحمن القصيبي له أياد بيضاء على المشايخ وطلبة العلم فكم من كتاب طبع على نفقته يوم كان الكتاب عزيزاً ونادراً في ذاك الزمان ومشروعات خيرية كثيرة ليس في الأحساء والبحرين بل في نجد والحجاز والهند، وحين تم افتتاح جامع باريس الكبير عام ????م كان عبدالرحمن القصيبي في مقدمة الحضور والمدعوين تقديراً لمكانته الاجتماعية والدينية، وأما غازي القصيبي فله مواقف وأعمال مشهودة في العمل الخيري والدعوي في الداخل والخارج واستمعت لعدد من الإخوة والزملاء الذين عملوا في العمل الدعوي في البحرين ولندن عن مواقفه وتبرعاته لهم وقد وقفت على عدد منها ومن ذلك: ما ذكره لي الشيخ فهد القحطاني عن تبرع غازي القصيبي لمكتب الدعوة في البحرين حينما أصبح سفيراً تبرع بجهاز كبير خاص بالتسجيلات الصوتية (الطريف أن القصيبي رحمه الله خلال مشاكساته مع المشايخ كان يحذر من الأشرطة الإسلامية وأن الشريط أسهم في إسقاط الشاة في إيران) وقد تبرع القصيبي بشراء الجهاز من جيبه الخاص ليتم نسخ الأشرطة وتوزيعها.