(العطفة) رواية صادرة بطبعتها الأولى عام 1437 هـ عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) ببيروت, للكاتب / حسين رحيم.
وبالرغم من أنه لم يسبق لي أن قرأت للكاتب من قبل, سوى هذا العمل, الذي ربما يكون أول عمل منشور له, غير أني وجدت في روايته هذه ما لم أجده في غيرها من الأعمال السردية الأخرى, خاصة أننا نعيش حالياً مرحلة نسميها بـ (زمن الرواية) نظراً لما شهدته الرواية العربية خلال العقد الأخير من الزمن تحديداً من تطور هائل في الكم والكيف, لم يسبق لها أن مرت به من قبل في عصورها السابقة.
وهذا التطور يشمل (الكم) أي من حيث استقطاب فن كتابة الرواية لعدد كبير من الكتاب العرب في السنوات الأخيرة, حيث نلاحظ صدور عشرات الروايات في بلد واحد خلال أشهر قلائل, أو ربما خلال بضعة أسابيع, بل قد يتجاوز العدد العشرات ليبلغ المئات خلال عام واحد في مجموعة مكونة من عدة بلدان بناء على إحصاءات تم الاطلاع عليها.
ويشمل الكم أيضاً إقبال القراء العرب على الرواية بأعداد كبيرة جداً, قد لا يضاهيه فيها إقبالهم على غيرها من الفنون الأدبية الأخرى, وكم من مرة سمعنا أو رأينا أن رواية ما قد تصدرت قائمة (الكتب الأكثر مبيعاً) وقد حققت رقماً قياسياً في عدد طبعاتها خلال أسابيع قليلة من تاريخ صدورها وتوزيعها في المكتبات, أو سوق ومعارض الكتب, بينما نلاحظ في مقابل هذا كله - وفي الوقت ذاته - أن كثيراً من الإصدارات الأخرى من شعر ونثر - باستثناء الرواية - قد ظل كثير منها قابعاً بين رفوف المكتبات, لسنوات طويلة, ولا تزال في طبعتها الأولى منذ صدورها الأول, دون أن تحظى باهتمام القراء, أو لنقل: دون أن يكون لها أي رواج في سوق الكتب!
أما فيما يخص (الكيف) فهو - وإن كان لا يرتقي في شكله ومضمونه للمستوى المطلوب في غالبيته - غير أنه كان متنوعاً وشاملاً لجميع نواحي الحياة, للفرد والمجتمع, وعلاقة كل منهما بالآخر.
ولذلك كان من الطبيعي صعوبة تميز, أو تمييز رواية ما عن غيرها ضمن هذا الكم الهائل من تدفق أعداد الأعمال الروائية المهول إلى سوق الكتب ومعارضها في المنطقة العربية, في كل شهر أو عدة أسابيع أو سنة, أو ما هو أقل أو أكثر من ذلك, حتى خيل إلينا أن الرواية قد اكتسحت المشهد الثقافي والأدبي برمته, ولم يعد لدينا من الكتاب والمبدعين من تستهويه الكتابة في غيرها من المجالات الإبداعية الأخرى.
وهذا - بالطبع - كان له أثر سلبي نتيجة ترجيح (الكم) على (الكيف) بنسبة كبيرة في مجال الرواية.
ولنعد الآن مجدداً للحديث عن رواية (العطفة) بعد هذه الإطلالة العابرة على مشهدنا الروائي, وما سبق أن ذكرته عن هذه الرواية من اختلافها عن غيرها مما قرأته من مئات الأعمال السردية, المتمثل في تميزها في فكرتها وموضوعها الذي تناقشه, والبيئة (ذات الخصوصية الضيقة) التي تدور فيها أحداثها, وتلك التركيبة الكلاسيكية المعقدة لشخصياتها, وغيبوبة زمانها ومكانها خارج وعي العالم الآني, أو الوقت الحاضر.
وهذا معناه أن رواية (العطفة) ما هي إلا ولادة متأخرة لماضي القبيلة العربية في زمانها الغابر, قبل نشوء أو قيام الدولة الحديثة في المنطقة, ونموذج للصراع القبلي في عهوده السابقة. وقد جاءت هذه الولادة المتأخرة على أرضية الحاضر المتمدن, وبين أيدي سلالاتها المتحضرة من أبنائها الذين تعود جذورهم - في الأصل - للقبيلة, وكانوا امتداداً طبيعياً لها في الوقت الراهن, لكنه امتداد عصري متحضر, تشكل باسم (الوطن) الذي أصبح البديل الكلي والفعلي للقبيلة. ولهذا السبب كانت هذه الرواية أيضاً ذات لغة وثقافة وبيئة مختلفة تماماً عن عالم اليوم, وليس من السهل على أي قارئ استيعابها وفهمها والاستمتاع بها, ما لم يكن ذا معرفة وثقافة واسعة بتاريخ قبائل عرب شمال شبه الجزيرة العربية في الزمان السابق, وعاداتها وتقاليدها وأعرافها بالرغم من أن كاتبها قد اجتهد كثيراً في (تهميش) صفحاتها وشرح كثير من الألفاظ والأمثال الشعبية الدارجة على ألسنة الناس في زمن الحدث الروائي ومكانه, ليساعد القارئ على فهم ما يتحدث عنه, وتتكون لديه صورة متكاملة عما يريد إيصاله إليه, دون كثير عناء.
ولهذا السبب ذاته أيضاً تأتي أهمية رواية (العطفة) لندرة فكرتها وموضوعها الذي انفردت به دون غيرها من كثير من الأعمال الروائية التي قرأتها أو اطلعت عليها, وإن شكلت في لغتها ومفرداتها المنبثقة من قاموس لغة بادية العرب القديمة حاجزاً يحول - أحياناً كثيرة- دون فهم الأجيال الحاضرة لما تتحدث عنه. وإن لم يستطع الكاتب أن ينعتق من ربقة (الإقليمية) الضيقة, والعبور بروايته إلى فضاء جغرافي أرحب, وشريحة أكبر من الناس, ليتخطى بذلك حدود القبيلة وخصوصيتها, الموغلة في تفاصيلها.
** **
- حمد حميد الرشيدي