زكية إبراهيم الحجي
«لو» أداة تفتح عمل الشيطان ولكن.. لنفترض جدلاً أن طُرِح سؤال كُنْهه يدور حول ماذا يحدث «لو» استيقظ العالم فجأة على انقطاع شبكات الإنترنت.. وفقدان التكنولوجيا وانقطاع الطاقة التي تعتمد عليها الشبكة العنكبوتية.. هكذا بين ليلة وضحاها بدون سابق إنذار ولأسباب غير معروفة، ثم استمر هذا الانقطاع لفترة من الزمن.
في عام 2016 قررت رائدة وصاحبة المركز الأول في تكنولوجيا العلم والتعليم دولة «فنلندا» أن تلغي الكتابة اليدوية نهائياً من منظومتها التعليمية وأقرت استخدام لوحات الكتابة الإلكترونية.. قرار أثار جدلاً في الأوساط الاجتماعية والثقافية الفنلندية، فعلى الرغم من أن الداعمين لهذا القرار رأوا فيه خطوة إيجابية لمواكبة العصر وتوفير للوقت الذي يستهلكه الطلبة في الكتابة اليدوية، إلا أن آخرين كان لهم رأي آخر يتمثل في أن له مردوداً عكسياً يضُر بالطالب، فإلغاء الكتابة اليدوية وإغفال القلم يعني إلغاء مهارة من أهم مهارات اللغة، ألا وهي مهارة الكتابة اليدوية بالقلم.
قرار مثل هذا القرار الذي اعتمدته فنلندا وتم تطبيقه في نظامها التعليمي أوقد في ذهني شعلة من تساؤلات متنافرة ومتلاحمة في آنٍ واحد ولعل أبرز هذه الأسئلة المتشابكة تنافراً وتلاحماً في ذات الوقت سؤال لا يستغني عن أداة عمل الشيطان «لو» ماذا لو اعتمد نظامنا التعليمي تطبيق الكتابة الإلكترونية في مدارسنا وبالتالي إلغاء الكتابة اليدوية بالقلم بشكل نهائي.. سؤال افتراضي مبني على الممكن وغير الممكن وبمقابل طرحه ينبثق سؤال أكثر أهمية تُرى ما هي العواقب المترتبة على ذلك وانعكاساتها على الطالب.. الإجابة بعبارة مختصرة، وتتمثل في أن ذلك يمثل عائقاً في سلم القدرات اللغوية عند الطالب أو أي شخص آخر لم يعد يستخدم القلم إلا للتوقيع فقط وأخشى أن يأتي اليوم الذي ينقرض فيه التوقيع بالقلم وتلاعب الأصابع به ليكون توقيعاً تكنولوجياً، عند ذلك ستضعف بل تتلاشى العلاقة الحميمية بين يد الإنسان والقلم، والتي كانت على مر العصور أشبه ما تكون بعلاقة العاشق بمعشوقته ويصبح القلم تراثاً ومعلماً من معالم المتاحف التي يقصدها السائح.
أعود إلى الوراء قليلاً وأتذكر بعضاً من مأثور الأقوال على لسان الأقلام قول «الصاحب بن عباد.. سبحان بادئ القلم ومشرفه بالقسم» إنه القلم الذي أثار حفيظة الشاعر مالئ الدنيا وشاغل الناس «المتنبي» فطرز الفخر بالقرطاس والقلم شعراً.
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
ترى ماذا لو كان المتنبي الشاعر المسكون بالقصيدة يعيش بيننا اليوم ويشهد ما حلَّ بالقرطاس والقلم.. هل سيفيض دمعه شعراً رثاء بالقرطاس والقلم كفيض حبر القلم على القرطاس.