علي الصحن
لست من متابعي البرامج الرياضية، ولا يستهويني الجلوس لساعات أمام الشاشة لأستمع إلى حوار مكرر، يخلو من الفائدة ولا يحقق الإضافة إلا فيما ندر، فضلاً عن كون هذه البرامج تحفل بالمتناقضات، ومخالفة الشخص لنفسه في الرأي، فما يقوله اليوم يكذبه غداً، ومن أشاد به أمس يسرف في انتقاده اليوم، والأمر الذي لا يعجبه في زيد، لا يكف عن الثناء عليه في عمر. ومن ينشر التعصب ويقدم عبارات مرفوضة، يأتي بعد لحظات ليقدم مقطوعة مؤثرة عن ضرورة نبذ التعصب وإصلاح الحال، وضرورة إيقاف مد الإساءات، رغم أنه أحد عرابيها، والنافخين في رمادها.
هنا فإن شأن الكثير ممن يكتفي بما يقدمه ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع تكفي لتقدم ما يحدث في بعض هذه البرامج، وكيف أنها وصلت نقطة معينة لا يمكن تجاوزها، حيث تداخل الكلمات وضعف المذيع، وعدم قدرته على ضبط الأمور أمام ما يحدث من إزعاج ورداءة طرح.
الكذب أمر ترفضه الشريعة والمروءة، ولكن على الأقل «إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً» حتى لا تقع في حرج لا تستطيع الخروج من دائرته، وحتى لا تنتشر لك فيها مقاطع تخالف فيها نفسك، وتكفي الآخرين عناء الرد عليك.
التناقض هنا ليس التغير في الرأي الذي قد يحدث بسبب تغير الظروف واختلاف الأحوال، فلا ضير أن تقول إن هذا اللاعب مميز وأنه الأفضل بين أقرانه، وبعد فترة تقول عنه أنه سيئ ولا يستحق اللعب، لأن مستواه قد تراجع فعلاً ولم يعد كما كان. التناقض أن تغير رأيك دون أي اختلاف سوى في الهوى وميول النفس فقط وضعف الحجة.
بعد مباراة الهلال والاتحاد تحدث بعضهم في تلك البرامج عما أسموه بأخطاء الحكام وتقنية الـVAR وأسهبوا في التعليق على أمور لم يشاهدها غيرهم، وتحدثوا عن حقوق الاتحاد التي ضاعت، وعن نقاط الهلال التي تحققت دون حق، وبعد أيام فقط لعب الاتحاد نفسه أمام الحزم، وحدثت نفس الوقائع، فضلاً عن عدم احتساب هدف صحيح للحزم، ومع ذلك مرت الأمور بهدوء، فلا سمعنا تعليقات، ولا مناقشات ولا مطالب ببيانات، وتغيير لجان، وإلغاء العمل بتقنية!!
بعضهم يخسر فريقه مباراة أو لقب، فيظهر في أحد البرامج ليتحدث عن سوء العمل في ناديه، وعن ضعف الإدارة واختيار المدربين واللاعبين، وعن الأشخاص الذين يتفرغون لـ (الترزز) وعدم العمل بجد، ويطالب القائمين على ناديه بالعمل مثل إدارات الهلال التي تعمل للحفاظ على ماضي النادي ورفع حاضره والتخطيط الكفء لمستقبله، وفي الغد فقط، وعندما يفوز الهلال ينسف كل مقاله بالأمس بتغريدة واحدة فقط.
أتمنى لو أن لدى القائمين على بعض البرامج المهنية الكاملة، والتحضير الجيد - وهذه أمور نجذب لهم المزيد من المتابعين - وأن يقوموا هم بما يقوم به ناشطو التواصل الاجتماعي، وأن يقولوا لضيفهم أنك تناقض نفسك، وتخالف قناعتك، وتكذب على المشاهدين والحاضرين، وأن يعرضوا ما يؤيد ذلك من مقاطع أو مقالات أو تغريدات، بدلاً من الجمود الذي تعانيه برامجهم والرتابة الواضحة فيها.
بعض المتناقضات ومثلها عبارات وكلمات، أصبحت رائجة كمقاطع تدعو إلى الضحك، وتطرق باب التسلية، وفي ذلك حرج على المتحدث وأهله، الناس اليوم تعرف الجيد من الرديء، وتفرق بين الغث والسمين، ولا يمكن أن تمر عليها الأمور بسهولة، فكيف إن كانت أخطاء أوضح من الشمس كما يحدث في معظم البرامج... فهل تدرك ومن يقوم عليها ذلك؟ أم أن العطار لن يصلح ما أفسده الدهر؟
* * *
عندما يبصق -أعزكم الله- لاعب (ما) وتمر الحادثة مرور الكرام على طاولة لجنة الانضباط، فإن اللجنة هنا كمن يُشرع الحادثة، والدليل أن لاعباً آخر فعلها ولم يصدر بحقه قرار، وأعتقد أن السبب هو التغاضي عن الأول!!
وعندما يسيء لاعب إلى رئيس ناد وتمر الحادثة كالأولى، فإن اللجنة أيضاً تُشرع الأمر، ولن يكون بمقدورها أن تعاقب أي لاعب أو إداري يفعلها في المستقبل!!
وعندما تتجه اللجنة إلى ردة الفعل وتتجه إلى ردة الفعل، فإنها تسلك مسلكاً غريباً في القانون لا يمكن تجاوزه...
قرارات اللجنة الأخيرة عاقبت وغرمت وشرعت أيضاً، وفتحت باباً لن تستطيع إغلاقه ولو وضعت الف سبب أمام الناس لتبريره، السبب الوحيد الذي يمكن قبوله أن تعترف اللجنة أنها أخطأت فقط، وأن تعالج أخطاءها ولو بأثر رجعي.