د. محمد بن إبراهيم الملحم
تتميز البكتيريا بأن منها نوعين؛ بكتيريا ضارة (وهي التي تسبب الأمراض)، وبكتيريا نافعة (مثل التي يحتاج إليها الجسم في الأمعاء ليتمكن من امتصاص الطعام). أما الفيروس فهو دائماً شرير ويسبب المرض فقط، ولا يوجد منه نسخة طيبة خيّرة مع الأسف، إذا كان فيروس كورونا المتحول COVID-19 قد تسبب في إيقاف الدراسة وتعطيلها خوفاً من أن ينتشر بين الطلاب والمعلمين مزيد من فيروساته مجهولة الهوية والنسب، فأرجو أن يتسبب هو نفسه (مشكوراً) في ظهور فيروس «طيب» ويحمل بين جنباته الخير للناس وهو فيروس التعلم الإلكتروني، حيث لا طريق اليوم للطلاب للتعلم عن بعد سواه، خاصة إذا طالت مدة الانتظار حتى تتم السيطرة على المرض وحصره والاطمئنان أن حالاته في تناقص مطمئن، صحيح أن المدرسة هي مكان التربية والتفاعل الاجتماعي بين الطالب والطالب وكذلك بين الطالب والمعلم، وهي مصنع الشخصية ومعمل التجارب الاجتماعية لحياة الطالب المصغرة في دنيا المدرسة الصغيرة التي تعبر عن دنيا الحياة الكبيرة، وبالتالي لا غنى عنها طبعاً..
ولكن التعلم الإلكتروني ضرورة لا بد منها، ليس فقط بسبب حالات الطوارئ التي قد تعترض مسيرة الحياة الطبيعية كانتشار الأمراض والأوبئة أو الحروب ولكن حتى في الحياة اليومية الاعتيادية فلابد للطالب من أن يتقن التعلم الإلكتروني لأنه وسيلته للتعلم والاستزادة خارج نطاق المدرسة، سواء وهو طالب أو بعد أن يتخرج، فإنسان اليوم لم يعد مثل إنسان الأمس إذ هو مطالب أن يكون متعلماً طوال عمره «متعلم مدى الحياة Lifelong Learner» وهذا الإنسان هو الذي يشكّل «مجتمع المعرفة» والذي يقود اقتصاد المعرفة، المعرفة تتقدم يوماً بعد يوم بل ساعة بعد ساعة في ثورة غير مسبوقة، والمعلومات المدونة في الكتب يجري لها تحديث مستمر من خلال الأبحاث التي تجري على قدم وساق عبر العالم كله فالاكتشافات الفلكية والحيوية والفيزيائية أصبحت متسارعة ومذهلة بدرجة تستحق المتابعة المستمرة لمن يريد أن يفهم العالم حوله، الأهم من هذا كله أن ما يخص حياة الإنسان البسيط اليومية: القوانين والأنظمة والفرص والتوعية وما إلى ذلك من الشئون تحتاج إلى اطلاع وتعلم مستمر لتجددها وتحديثها المتواصل، فالمؤسسات الحكومية والخاصة ما عادت جامدة مثل ذي قبل بل اعتنق كثير منها مذهب التغيير والتطوير المستمر، وهذا يعني أن من لم تنشأ لديه عادة التعلم المستمر ويمتلك أدواته فقد يصبح عالة على غيره يعتمد عليهم ويلجأ لهم حتى ولو كان يقرأ ويكتب ويحمل الشهادات.
طالب اليوم يجب أن يتعلم عبر المنصات الإلكترونية ويفهم مصطلحاتها ويتعامل مع أدواتها تماماً كما هو يألف اليوم كيف يتعامل مع اليوتيوب والسوشيال ميديا ويعرف كيف هي تهيئة وخيارات البلاي ستيشن وهذه كلها لا تختلف عن منصات التعلم الإلكتروني في الصورة والهيئة فكلها «برامج حاسوبية» لها قوائم وخيارات للتحكم، فمن تعامل معها بشكل يومي غدا متقناً لها، وهو حال أولادنا وبناتنا اليوم مع برامج الألعاب والسوشيال ميديا فقط، ونتمنى أن يكون الأمر نفسه لبرامج منصات التعليم الإلكتروني فيصبحوا متقنين لها يألفون مصطلحاتها ويعرفون كيفية الاستفادة منها ومن مصادر المعلومات المتصلة بها، هذا سيجعلهم مستقبلاً مواطنين متعلمين على الدوام وهو ما يبني المجتمع المعرفي الذي يخوض غمار المستقبل بنجاح، ولهذا فإن وزارة التعليم -وفقها الله- مطالبة بأن تعتني بهذا الموضوع خارج نطاق الأزمات ليكتسب الطلاب كل الطلاب هذه المهارات وتصبح من أبجديات نواتج المدرسة، لا أن نفزع إليها في الملمات فقط، فبالأمس كان هناك تحرك نشط للتعلم عن بعد في الحد الجنوبي عندما علت وتيرة الحرب مع الحوثيين في اليمن واليوم ها نحن نفزع إلى التعلم الإلكتروني مع حملة مكافحة المرض، أرجو أن ينتشر فيروس التعلم الإلكتروني هذه المرة بشكل أفضل ليصبح للحدث المزعج فائدة نخرج بها ونتذكر كيف تكون في الأزمات فرص حقيقية للنمو التطوير، ولي عودة في المقال المقبل إلى موضوع التعلم الإلكتروني والتعلم عن بعد الذي وفرته وزارتنا الكريمة مساهمة مني في التطوير والارتقاء بالخدمة، وحتى ذاك الحين ألقاكم على خير فعليكم بوقاية أنفسكم من كورونا بالنظافة والنظافة والنظافة، وحمانا الله جميعا وبلادنا من كل شر ووباء