عبدالوهاب الفايز
عدم اتفاق أوبك مع المنتجين خارجها (أوبك+)، بالذات روسيا على خفض الإنتاج بما يوازي مليوناً ونصف برميل يومياً مع مطلع أبريل المقبل، فرض واقعًا جديدًا في أسواق النفط، دفع المراقبون والمعلقون في وسائل الإعلام الدولية إلى الاعتقاد (وهذا خطأ) أن السعودية قررت (إطلاق حرب أسعار) انتقاماً من الموقف الروسي، وهناك من رأى أن السعودية (وهذا خطأ استنتاجي آخر) ومنتجي أوبك وحتى روسيا، يسعون إلى الإضرار بشركات النفط الأمريكية العاملة في استخراج النفط الصخري التي تواجه مشاكل ديون ومتاعب في التشغيل، وقيل أيضاً (إن الخطوة السعودية (وهذا خطأ استنتاجي ثالث)؛ كانت بمثابة هجوم مباشر على قدرة الشركات الروسية على بيع الخام في أوروبا).
مثل هذه الآراء تعوّدنا عليها.. فهي فرصة لمواصلة تشويه سمعة أوبك وربطها بالتصرفات غير المسؤولة تجاه مصالح الآخرين، وأيضاً فرصة لتفكيك التحالف بين المنتجين الكبار داخل أوبك وخارجها الذي انطلق منذ ثلاث سنوات وحقق نتائج إيجابية للاقتصاد العالمي.
الموقف السعودي في قضايا الطاقة وأسعار البترول العالمية يبقى دائماً ملتزما بضرورة تحقيق المصالح المشتركة للمنتجين والمستهلكين، ودعم النمو والاستقرار الاقتصادي، والحفاظ على (اليقين) في الصناعة البترولية بما يسهم في ضخ المزيد من الاستثمارات المستقبلية، ومنذ سنوات تبنت السعودية توجه يضع النفط كسلعة حساسة للاقتصاد العالمي يتطلب التعامل معها من هذا المنطلق، أي ليست سلعة للمضاربة والتكسب السريع، لأن الآثار السلبية سوف تلحق بالمنتجين وبالمستهلكين على حد سواء.
في الوقت الحالي، الوضع يتجاوز الأسعار أو حرب الأسعار، فالعالم مهدد بأزمة اقتصادية قد تجر الاقتصاد العالمي إلى مشاكل بعد تطورات فيروس كرونا الخطير. في هذه الأوضاع، (المطلوب دعم الموقف السعودي) من ضرورة خفض الإنتاج، والتعامل الديناميكي مع الأحداث والتطورات، لأن تجاهل ذلك سيؤدي حتماً إلى إغراق الأسواق، وهو ما سيجر الأسعار إلى دون الثلاثين دولار.. وفي هذا ضرر مستقبلي على الصناعة النفطية، وتعطيل مشروعات التوسيع في ذلك، وبالتالي فقد يصحو العالم يوماً ما على نقص في الإمدادات لا يواجه الطلب في السوق.
ولا شك أن استقرار النمو الاقتصادي العالمي هو أحد المرتكزات التي تسعى لها السياسة النفطية في المملكة، فسياستها تقوم على مراعاة ذلك، فلا يمكن استخدام النفط للإضرار بمصالح العالم، والمملكة وضعت في أولوياتها أيضاً أهمية تنمية الاستثمارات في القطاع حتى لا تتأثر القدرات الإنتاجية مستقبلا. أيضاً المملكة تسعى لأن تكون سوق البترول العالمية تخدم مصلحة المنتجين المصدرين والمستهلكين، ولهذا عملت بقوة على قيام منتدى الطاقة العالمي.
هذا المسار الواضح للسياسة السعودية الذي يسعى لحماية المصدرين والمستهلكين وحماية الاقتصاد العالمي لم ولن تجد له أية إشارة له في التغطيات والتحليلات الإعلامية التي أعقبت تعثر اجتماع أوبك، بل اتجه الحديث إلى (حرب أسعار تقودها السعودية) ضد المنتجين خارج أوبك والذين رفضوا استمرار الاتفاق، وأشاروا بالتحديد إلى روسيا.
السعودية ظلت وفية للمبادئ التي قامت عليها أوبك وهي الدفاع عن مصالح المنتجين، وأضافت إلى ذلك بعد الأزمة العالمية نهاية التسعينيات خدمة مصالح المستهلكين، وهذا الالتزام تجاه العرض والطلب في السوق جعلها تخسر جزءاً من حصتها السوقية، وهناك من وصفنا بالسذاجة لأننا اعتقدنا بسلامة النوايا وسلامة الالتزام.
الآن نحن نتخذ الخطوات التي تدافع عن مصالحنا وتحمي حصصنا السوقية، وتجعلنا نلتزم بسياسة الولاء للعملاء، فإذا كانت الأسعار تتجه للانخفاض بفعل رفض كبار المنتجين من خارج أوبك الالتزام بالتخفيضات، فالأولى أن نكافئ عملاءنا بأسعار مناسبة لهم وتبقيهم ضمن قائمة العملاء المفضلين، وهذه الممارسة حق مشروع في قوانين وأدبيات التجارة الدولية.
مع الأسف فإن الموقف السعودي لا يجد من يخدمه في إعلامنا بالذات الإعلام الموجه للخارج، فالمنافذ الحالية إلى الخارج محدودة جداً وكل ما لديها خدمات إخبارية غالباً هي تكرار وصدى لما هو مطرح في الإعلام العالمي الذي له أجنداته وأهدافه.