م. خالد إبراهيم الحجي
إن الحوكمة يُعرفها البنك الدولي على أنها قواعد الأنظمة السياسية في الدول المختلفة التي تمارسها السلطات الحكومية وغير الحكومية لحل النزاعات بين الجهات الفاعلة فيها، والمساءلة والمحاسبة، وتطبيق القرارات الشرعية في طرق إدارة الموارد الاجتماعية والمالية والاقتصادية لتحسينها، وجعلها أقرب ما يكون من الكمال، من أجل تحقيق أهداف التنمية التي تضعها الكيانات والهيئات الخاصة والحكومات لنفسها.. ومن هذا المنطلق تشكل الأنماط الإدارية المحاور الرئيسية في عمليات الحوكمة. وهناك شكلان للإدارة، الأول: الإدارة المركزية: وتتمثل في الاحتفاظ بمعظم السلطات والصلاحيات في الإدارات العليا، وفرض قيود على الصلاحيات المحدودة التي تُمنح إلى الإدارات الفرعية البعيدة عنها جغرافياً؛ لاتخاذ القرارت المناسبة التي تقتضيها حاجة العمل، للقيام بمهام معينة تعهد بها الإدارات العليا إلى الإدارات الفرعية التابعة لها. والشكل الآخر من أشكال الإدارة: الإدارة اللامركزية: وتتمثل في تفويض بعض الصلاحيات الواسعة من الإدارات العليا للإدارات الفرعية التابعة لها.. وقد جرت العادة في أنظمة الإدارة اللامركزية أن يكون التخطيط الإستراتيجي من قبل الإدارات العليا، بناءً على المعطيات والمعلومات المستمدة من الإدارات الفرعية والمحلية، ويكون تنفيذ المهام من قبل الإدارات الفرعية.. وعموماً يمكن القول إنه لا توجد هناك إدارة مركزية مطلقة أو إدارة لامركزية مطلقة، بل إن الواقع الإداري يمزج بينهما بنسب متفاوتة، والسبب في ذلك أن التفويض يعتبر أمراً نسبياً ويختلف من إدارة إلى أخرى، ويرتبط بأهمية السلطات، ونوعية الصلاحيات الممنوحة للإدارات الفرعية؛ أي أن الإدارات العليا لا تفوض جميع صلاحياتها بشكل مطلق للإدارات الفرعية التابعة لها، كي لا تتحول إلى سلطات عليا مناظرة لها، ولأن المسؤولية ستقع في النهاية على الإدارات العليا. كما أن تركيز السلطات والصلاحيات في الإدارات العليا بشكل مطلق لا يؤدي إلى إلغاء دور الإدارات الفرعية فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى إلغاء الهياكل التنظيمية للإدارات الفرعية في القطاعات الخدمية. والأساس المنطقي لإنظمة الإدارة اللامركزية يُعرف بالآتي: كلما كانت الإدارات الفرعية الخدمية أوسع في السلطات، وأكثر في الصلاحيات، استطاعت أن تقدم الخدمات في وقت أسرع وبطريقة أفضل؛ لأنها تكون في هذه الحالة أكثر قرباً للجمهور من الإدارات العلا.. وقرب الإدارات الفرعية من جمهور المستفيدين يُمكِّن العاملين فيها من جمع مختلف المعطيات، والمعلومات عن أولويات الخدمات المطلوبة للجمهور، فتصبح الإدارات الفرعية قادرة على الاستجابة لاحتياجات الجمهور، وتأدية الخدمات المطلوبة حسب الموارد المتاحة لها.. وكثير من الدراسات التي تناولت المقارنة بين الإدارتين المركزية واللامركزية من حيث فرص النجاح أو الفشل لهما، بحثت في الأسباب التي أدت إلى فشلهما، بقصد تحسين نتائج كل نوع من الإدارتين لتطبيقه بشكل أفضل على أرض الواقع.. ويتفق الخبراء على أن القاعدة الأولى في أنظمة الإدارة اللامركزية للقطاعات الحكومية الخدمية هي تفويض الصلاحيات مع المساءلة، وبالتالي يشجع ذلك على تحسين مستوى الكفاءة والسعي نحو المثالية في العمل، كما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في الإدارات الفرعية.. ومن أهم الأهداف المنشودة من تطبيق أنظمة الإدارة اللامركزية هو جعل الإدارات الفرعية أكثر فعالية وتحملاً للمسؤولية، لذلك يُوصي الخبراء بتوزيع السلطات وتفويض الصلاحيات كوسيلة عملية وسريعة نحو هيكلة أو إعادة هيكلة الإدارات الخدمية التي تعاني من تقديم الخدمات بشكل فعال، واستغلال الموارد المتاحة بشكل جيد.. والرأي الذي يقول إن أنظمة الإدارة اللامركزية المتمثل في توزيع السلطات، وتفويض الصلاحيات، يعتبر عنصراً أساسياً لعملية التطوير والتقدم يؤيده المساعي والجهود الجارية للتحول إلى الحكومة الإلكترونية؛ فبواسطة الشبكات السلكية واللاسلكية يمكن للإدارات الفرعية أن تصبح أكثر ارتباطاً بالإدارات الرئيسية، واتصالاً ببعضها البعض، وكذلك بواسطة البرمجيات المتطورة يصبح من السهل مراقبة تنفيذ الأعمال ومتابعتها، وضبط الأخطاء والمخالفات في وقت مبكر قبل استفحالها، وإمكانية المراقبة والإشراف من الجهتين في آنٍ واحد، مراقبة ذاتية من قبل الإدارات الفرعية الجهات المنفذة، ومراقبة موازية من قبل الإدارات العليا.
الخلاصة
إن الاستعداد لتقديم التزامات عن أفعالنا يعزز الثقة بيننا وبين الناس من حولنا، والمساءلة تبني الثقة، ولعل أهم نتيجة للمساءلة في الإدارة هي الثقة.